عاجل: استيضاحات وبلاغات خليجية ضد ثلاثة وزراء لبنانيين

TT

على نحو ابتهاج الشاعر العربي البحتري بالربيع وأي مفردات استعمَلَها وهو يصف قدوم هذا الفصل، يبتهج الأشقاء العرب، وبالذات الذين يأتون من دول الخليج، بالصيف اللبناني لما في هذا الفصل من حلاوة العيش والتنزه. لكن فرحة هؤلاء الاشقاء، وبالذات العائلات لا تكتمل مع حالات من السلوك السيئ لا يعالجه أُولو الأمر من اصحاب القرار وتحديداً ثلاثة وزراء هم وزراء الداخلية والصحة والسياحة. ويزيد من التباطؤ في عدم معالجة هذه الحالات ان رئيس الحكومة نفسه لا يعير المسألة اهتمامه ومن اجل ذلك يستمر التسيب على حاله.

والذي يبعث في النفس الاستغراب، هو أن الطاقم الوزاري الذي نشير اليه يتكون من وزراء مستنيرين وأصحاب اختصاص وزاروا دولاً عربية وأجنبية تتعامل مع القضايا التي تهم المواطن والسائح أو الزائر ضمن الأصول وتترجم الى واقع مطالب هؤلاء.

واذا كانت هذه الحكومة وكان الوزراء الثلاثة مشغولي البال بقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهذا امر طيِّب منهم، إلاَّ ان هذا الانشغال لا يعني ترك بعض الأمور غير العصية على الحل من دون معالجة فورية. وهؤلاء زاروا الإمارة الصغيرة الحجم ارضاً وبشراً ورأوا كيف باتت نتيجة وعي اهل الحكم فيها، مرشحة لأن تصبح خلال عشر سنين مثل امارة موناكو، اضافة الى كونها اهم محطة ترانزيت في قلب الخليج. وهذا الرقي المفروض ان يكون عليه لبنان ما كان ليحدث لو أن العزيمة غير قوية، ولو ان الممسكين بالمواقع المسؤولة يتصرفون باللاهتمام الممزوج باللامبالاة بقضايا وظواهر يعتبرونها ثانوية، لكنها في واقع الحال بالغة الاهمية، على نحو وزراء الداخلية والصحة والسياحة في لبنان.

زيادة في التوضيح نقول موجِّهين الكلام الى وزير الداخلية اللبنانية احمد فتفت، الذي يشغل المنصب بالنيابة الى حين يعود الوزير الاصيل حسن السبع وفي حكومة يترأسها على الارجح سعد الدين الحريري، أو تعاد تركيبتها ويترأسها الحالي فؤاد السنيورة: هل يمكن ان يجرؤ راكب دراجة نارية صغيرة او كبيرة في دبي على تجاوُز الضوء الأحمر أو أن يسلك الاتجاه المعاكس أو يمشي بدراجته على الرصيف اذا هو اراد، كما هل يجرؤ على قيادة الدراجة واضعاً طفله الصغير في حضنه من دون مراعاة المخاطر؟ وهل يمكن ان يجرؤ سائق سيارة عمومية أو خاصة على ان يرمي من نافذة السيارة اوراقاً او بقايا مادة غذائية استهلكها أو علب مرطبات فارغة؟ وهل يمكن لأي سائق سلوك طريق فرعية عكس الاتجاه المحدد فيها؟ وهل يجرؤ صاحب سيارة غير صالحة للاستعمال على وضعها الى رصيف شوارع رئيسية أو عادية وتبقى مركونة بضعة اشهر؟ وهل يجرؤ صاحب سيارة على استعمالها في شوارع دبي اذا كانت غير مكتملة السلامة والنظافة؟ وهل يجرؤ شرطي على التعامل بنزق مع مواطن أو مواطنة يقود او تقود سيارة وارتكبا عن غير قصد مخالفة، كما هل يجرؤ على قبول رشوة مقابل عدم تسجيل محضر بمخالفة؟ وهل يجرؤ سائق سيارة خاصة او عمومية على استعمال «الزمور» كوسيلة تخاطُب او احتجاج؟ وهل يجرؤ سائق سيارة عمومية على تشغيل شريط غنائي يحب سماعه او تشغيل راديو السيارة على نحو ما يطربه؟ وهل يجرؤ صاحب سيارة خاصة على ان يفعل الشيء نفسه ويرفع الصوت الى اعلى درجة تاركاً سقف السيارة او النوافذ مفتوحة؟.. الخ مثل هذه التساؤلات.

نكتفي بهذه التساؤلات من باب المثال وليس الحصر، ذلك ان هنالك العشرات منها يمكن طرحها برسم وزير الداخلية الذي بموجب سلطته قادر على جعل ما هو غير حاصل في لبنان يحدث على نحو ما هو حاصل في الإمارة الصغيرة دبي التي تخطف كل يوم الضوء من لبنان وستخطف الضوء أكثر، وأكثر عندما ستنتسب الى دول «المترو» الأرضي والمعلّق، وهو انجاز سيزيد من رونقها كونه يأتي وفق أحدث تطوير في مجال النقل بالقطارات على انواعها. وهنا نتذكر حضارة «الترامواي» وقطار السكة الحديد من اقصى الجنوب الى اقصى الشمال ومن قلب العاصمة بيروت الى الحدود مع سورية، ونأسف كثير الأسف لأنها اندثرت امام اجتياح الآليات التي تنفث السموم في الصدور وتخطف العافية من الأبدان.

وبالنسبة الى وزير الصحة الدكتور محمد جواد خليفة نقول موجّهين الكلام اليه: هل انه من الجائز ألا يقرر كوزير للصحة جاء الى الحكومة من وسط طبي عريق ألا يتقدم في مجلس الوزراء بورقة عمل يصر عليها وإلى درجة الاعتكاف، اذا كان لن يتم الأخذ بها، وتتضمن منع التدخين في المكاتب الحكومية وفي المصارف والجامعات ووضع عقوبات على مَنْ لا يلتزم وإعطاء اولوية القبول في المدارس الثانوية والجامعات لغير المدخنين، وكذلك إلزام المطاعم والمقاهي بتخصيص اماكن لغير المدخنين وأخرى للمدخنين مع فرض عقوبات ومحاصرة ظاهرة انتشار السيجار و«الشيشة» في المطاعم والمقاهي المقفلة، وإجبار سائقي السيارات العمومية على وضع علامة منع التدخين داخل السيارة من جانب السائق والركاب معه وايضاً سن قانون بإعطاء الاولوية للعلاج المجاني الى غير المدخنين، ووضع ضريبة عالية على أصناف السجائر على نحو ما هو حاصل في دول عريقة على صعيد احترام الحرية الشخصية مثل بريطانيا التي بات الحد الأدنى لعلبة السجائر فيها سبعة دولارات. وكما الحال بالنسبة الى وزير الداخلية، الذي أوردنا بعض المطلوب منه على سبيل المثال لا الحصر، كذلك بالنسبة الى قضايا وظواهر لا يعيرها وزير السياحة اللبناني جو سركيس الاهتمام المطلوب انسجاماً مع التوجه العام بأن لا قضية تتطلب الاهتمام عدا الكشف عن اسرار جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فليس طبيعياً على الاطلاق الا يقوم الوزير بزيارات مباغتة لمطابخ عشرات المطاعم والمقاهي، وهو إذا فعل ذلك وارتأى ان يكون منصفاً وحريصاً على السمعة السياحية لوجد أن نسبة الذين تنطبق عليهم المواصفات الصحية لا تتجاوز العشرين في المئة. ونعتقد أن مراقبة الطحين والزيوت واللحوم والاجبان وفرض استعمال القفازات البلاستيك عند صنع مناقيش الصعتر والجبنة واللحمة التي غدت بأهمية «البيتزا» الايطالية، أمر في منتهى الاهمية لدرء المخاطر الجرثومية. ومرة اخرى نقول للوزير إن الرقابة الصحية في الإمارة الصغيرة دبي هي النموذج لما يجب ان يحدث. وعندما جرى تعيين امرأة مثقفة ومستنيرة هي ندى السردوك مديرة عامة لوزارة السياحة، افترضنا أن ما يغيب عن بال رجل الوزارة اي وزير السياحة لا يمكن ان يغيب عن سيدتها، اي المديرة العامة، لأن المرأة بطبعها دقيقة الملاحظة لكل ما من شأنه جعل الاطباق شهية ونظيفة في الوقت نفسه وإبقاء البيت (ونعني هنا البيت اللبناني السياحي) بكامل الترتيب.

ومرة ثانية نتساءل ويكون التساؤل برسم الوزير: هل من الجائز عدم وضع ضوابط للسيارات العمومية؟ وهل في استطاعة اي سيارة نقل عمومية في الدولة الصغيرة دبي ان تفرض ما تريد فرضه او أن تكون خالية من اي نظافة؟ ثم هل لو أن دبي فيها قلعة مثل قلعة بعلبك وقلاع ومواقع اثرية صغيرة مثل تلك التي في صيدا وصور وجبيل وعنجر وغيرها كثير، أما كانت ستحيط هذه الحضارة الموروثة بكل الاهتمام والنظافة والعين الساهرة.

يطول الحديث في هذا التناول الذي ربما ما كان ليتحول الى مقالة لولا انني بحكم زياراتي الخليجية سمعتُ من اخواننا في الدول التي ازورها وألتقي بكرام القوم والعائلات فيها من الملاحظات والنقد ما أوجبَ وبتكليف ودود منهم لفت الانتباه اليه. ومع ان هنالك الكثير من الملاحظات التي تتعلق بحياة الليل التي تحتاج الى ضبط لم اسجلها هنا، إلاَّ أن أُولي الأمر السياحي والأمني والصحي اللبناني يعرفونها. وما ينتظره إخواننا الخليجيون من الوزراء الثلاثة عبارة عن توضيح للملاحظات وللشكوى، خصوصاً ان الانطباع السائد عنهم والذي نشاركهم الرأي بنسبة من الافتراض، هو أن عدم معالجة الظواهر والسلبيات التي أوردنا أمثلة عنها معناها أحد أمرين: إما أن النهج الحكومي السنيوري يعتمد سياسة «رشوة المواطن» من خلال غض النظر عن أخطائه كي لا يثور على الحكومة وتلك مصيبة اعظم. أما المصيبة العظمى فهي الاعتقاد بأن كل هذه الامور مرجأة عملاً بقاعدة ألا صوت يجب ان يعلو على صوت الحقيقة.. حقيقة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

وخلاصة الأمر انني في ذلك مثل الذي يتبلَّغ باهتمام ويُبلِّغ بدقة. أما ماذا سيوضح الوزراء الثلاثة والمديرة العامة، فهذا متروك لإقرارهم بأن الخطأ يستوجب الاعتراف به والاعتذار عن التقصير.. والتصحيح الفوري له.