الكويت : مشهد ما بعد الانتخابات

TT

تتشكل قريباً في الكويت حكومة جديدة بعد انتهاء الانتخابات النيابية لعام 2006، ولعل فرصة الانتخابات التي استمرت أسابيع كانت فرصة كافية للمراجعة من قبل الحكومة والمراقبين والمهتمين بالشأن السياسي، والمتابعين للعلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وخصوصاً ما شهدته هذه العلاقة خلال الفترة التي سبقت حل المجلس من شد وجذب وتوتر وتأزم.

في تقديري أن تحديد الأخطاء وأسبابها وظروفها ليس عملية صعبة منذ أن باتت الأمور واضحة للكل، لذا تصبح عملية الاستفادة من الدروس والأخطاء أهم بكثير من التركيز على الأخطاء وتحديد المخطئين.

العلاقة بين السلطتين كانت دوماً غير مستقرة ومتنافرة وهي ربما حالة طبيعية في العملية السياسية في البلدان ذات الأنظمة الديمقراطية، لكن ثمة سمة عامة تسيطر على العلاقة بصورة غير طبيعية وهي غياب الحوار المنتظم وعدم وجود آلية تعاون وعمل مشترك واضحة بين الحكومة والمجلس، وبين أعضاء الحكومة نفسها أحياناً، إلى جانب فقدان قنوات الحوار المباشر والاتصال بين الحكومة والرأي العام.

الحوار المطلوب والذي نحن بحاجة إليه لا ينحصر فقط في الاستماع وإتاحة فرص اللقاء للاصغاء وإنما أيضاً نحن بحاجة لحوار منظم ومستمر من أجل الوصول إلى حلول موضوعية وتبني مقترحات وأفكار مدروسة ومفيدة، يمكن أن تستفيد منها الحكومة وكذلك مجلس الأمة والكويت ككل.

ولعل المدخل المبدئي والصحيح لتدشين عمل منظم نحو حوار مثمر وآلية عمل وتعاون، يتطلب أولاً من مجلس الوزراء تحديد الخطوط العريضة لأهم وأبرز القضايا التي ينبغي على الحكومة تبنيها ومعالجتها. وهذا يعني أن مجلس الوزراء، وربما تحديداً الأمانة العامة للمجلس، أو ديوان سمو رئيس مجلس الوزراء، مطالبون بتحديد هذه التصورات والاولويات أثناء الاجتماعات الأولى للحكومة لتكون هذه التصورات والخطوط العريضة بمثابة نواة لبرنامج الحكومة العام الذي ينبغي من أعضاء الحكومة والوزراء العمل بموجبه وترجمة هذه التصورات والتوجهات إلى أرض الواقع من خلال برامج عمل تنفيذية. هذه الخطوة ستساعد على ضمان وتيرة عمل منسجم ومنتظم أيضاً في مؤسسة مجلس الوزراء وتضمن ـ إضافة لذلك ـ العمل المتناغم من قبل الوزراء مع توجهات الدولة التي حددها مجلس الوزراء بدلاً من حالات التقدم والتراجع والجمود التي كثيراً ما تتعرض له خطط ومشاريع الدولة.

المستفيد بتقديري من هذه الخطوة طرفان: اولهما مؤسسة مجلس الوزراء، وثانيهما الوزراء أنفسهم، حيث ستسهم عملية رسم التوجهات والاولويات الواضحة في الحد من أي انحراف محتمل من قبل أعضاء الحكومة وبالتالي يتراجع الإنجاز وتسقط الاولويات. كما سيحد ذلك من اجتهادات بعض أعضاء الحكومة التي قد تكون مفيدة وإيجابية ولكنها ليست مناسبة من الناحية الزمنية بالمقارنة بأولويات أخرى. آلية العمل المقترحة ليست مختلفة عما بدأه سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح، حفظه الله، في بدايات عمله حين بادر بزيارة وزارة الأشغال للتعرف على أبرز الخطط والمشاريع المطروحة والاستماع لاحتياجات التنفيذ ليس فقط من الوزير المعني بل أيضاً من قيادات الوزارة، أو ما يمكن تسميته بالعاملين في مطبخ الوزارة، حيث أن الزيارة لم تتسم بالمجاملة بل كانت زيارة عمل بهدف حسم المعوقات والتعجيل بالإنجاز والتنفيذ للمشاريع التي تستحق الأولوية.

أما بالنسبة للحوار بين الحكومة والرأي العام، فيمكن للحكومة أن تستفيد من العدد الهائل من النقابات وجمعيات النفع العام لا سيما المهنية منها والاتحادات وقادة العلم والفكر والرأي من خلال تفعيل دورهم المجتمعي والوطني عبر المشاركة في تقديم التصورات والمقترحات التي يمكن أن تشكل أساساً يساعد الحكومة على صياغة خططها ومشاريعها. وهي أيضاً فرصة للتعرف على طبيعة الاحتياجات واهتمامات الرأي العام من خلال هذه المؤسسات. المفيد في هذه الخطوة هو تحصين المشروع والقرار الحكومي بمرئيات ودعم هذه المؤسسات المتخصصة من أجل قطع الطريق على أي اتهام للحكومة بالانفراد في اتخاذ القرار وعدم تلمس احتياجات المجتمع وربما مواجهة الحكومة لمزايدات بعض أعضاء مجلس الأمة التي يمكن أن تعطل المشروع الحكومي في الوقت الذي يكون فيه المشروع صالحاً ومفيداً للبلد.

صحيح أن الأحزاب غير موجودة والعمل الحكومي ليس مرتبطاً بآلية العمل الحزبي ولكن هذا لا يعني أن الحكومة يمكن أن تحرم من التواصل والاتصال مع المجتمع أو أنها عاجزة عن تلمس نبض الشارع واحتياجات ومتطلبات المواطن، فمن الممكن إنجاز كل هذا وربما تحقيق أكثر من ذلك إذا اعتمدت الحكومة على العمل المؤسسي والاستغلال الأمثل للأجهزة والأدوات المتوفرة لديها. ومن بين أجهزة الحكومة التي يمكن أن تلعب دوراً رئيسياً في إرساء علاقات التعاون وآلية العمل المشترك مع مؤسسات المجتمع وكذلك مع مجلس الأمة، وزارة مجلس الأمة التي يلاحظ أن دورها يقتصر فقط على شخص الوزير ونشاطه وتحركاته وهو ما يمكن وصفه بالعمل الفردي وليس المؤسسي.

وزارة مجلس الأمة ينبغي أن تصبح نافذة الحكومة التي تطل على مجلس الأمة ومؤسسات المجتمع وأن تقود الحوار المطلوب مع الرأي العام وتصحح مسار الأداء الحكومي وأيضاً مسار أداء المجلس التشريعي حين يتعرض أي منهما للشطط أو الانحراف عن المسار الصحيح.

التوجهات الإصلاحية والايجابية التي يطرحها بعض نواب مجلس الأمة والمهتمين بالشأن والمصلحة العامة ليست حكراً عليهم، فهم بنهاية المطاف أبناء هذا الوطن وينشدون المصلحة الوطنية، وهذا لا يعني أن الحكومة عاجزة عن الإصلاح فهي أيضاً تضم أبناءً من هذا الوطن ، لكن الملاحظة العامة هي أن المشاريع والخطط الرائدة لدى الحكومة لا تتحقق أو تتعطل لأسباب إما خاصة بالحكومة نفسها أو نتيجة انحراف في مسار العمل والتعاون بين السلطتين.

إن تعثر أداء الحكومة ليس بسبب غياب الرغبة في العمل والإنجاز وإنما بسبب عدم وجود آلية العمل المؤسسي التي تضمن أداء منسجماً ومتناغماً من كافة أعضاء الحكومة مع التوجهات العامة التي حددها مجلس الوزراء وبعيداً عن الاجتهادات الفردية التي قد تصيب أو تخيب أو تكون ليست ذات اولوية.

أما بالنسبة لمجلس الأمة فمكتب الرئاسة مطالب باستعجال إصدار اللائحة التنظيمية المنتظرة التي يمكن من خلالها ضبط الحوار والنقاش بين أعضاء مجلس الأمة أنفسهم وبينهم وبين الحكومة، الأمر الذي من شأنه أن يعزز التركيز على الأولويات وعلى الإنجاز.

* إعلامي كويتي