قارة الكرة تفقد لونها

TT

من العبث الادعاء باننا لا نتابع فصول كأس العالم. لقد التقيت زوجة وزير بارز في مستشفى الجامعة الاميركية تعود مع زوجها صديقاً مشتركاً لنا. وكانت ترتدي ثيابا خضراء وتضع شالا اخضر وتحمل حقيبة خضراء. وكان ذلك قبل ساعات قليلة من خروج البرازيل. وبسبب نزعة دائمة الى الغباء والسذاجة سألت السيدة العزيزة اي فريق تدعم. وظنت هي انني اسخر منها و«اتغالظ» عليها، برغم جميع الوانها المعلنة، فلم ترد عليّ مباشرة بل نظرت الى زوجها قائلة: «شو قصتو صاحبك؟ كلما كبر كلما تقل دمو».

شعرت بشيء من الخيبة لخروج البرازيل، ليس بسبب ما المّ من حزن بالصديقة الخضراء. وهو حزن جمع بين عدد كبير من اللبنانيين وطوائفهم وقبائلهم وافخاذها، برغم كل ما يفرق عادة من اصول ومتفرقات. على انني رأيت المسألة من زاوية قارية تراثية: ها هي القارة التي لا تجيد سوى الرقص المضني ولعبة الكرة، قارة الفقراء ومدن الصفيح، ها هي تخرج دفعة واحدة، مهزومة في لعبة الصمود الجسماني امام الاغنياء والمترفين. صحيح ان الذين يسجلون الاهداف للاوروبيين المترفين، هم فقراء الافارقة والمسلمون. ولكن يبقى، من الناحية الرمزية، ان سيدة الكرة التاريخية، البرازيل، ومعها جارتها وضرتها، قد خرجتا وخرجت معهما البشرة الحنطية من احدى اكثر دورات العالم اثارة وثروة وحضوراً.

يقول ماريو فارغاس يوسا إن لا هوية واحدة للقارة اللاتينية. فهي شعوب كثيرة واصول متعددة ولغات ولهجات تختلف في شمالها وجنوبها ووسطها. بل تختلف ما بين الارجنتين الاسبانية والبرازيل البرتغالية. ولذلك اتفق على اعطاء اللون الحنطي كنوع من الهوية لهذا الخليط من اللون الابيض والهندي النحاسي والاسمر الافريقي. ولم يعد هناك حنطيون الآن. بل اكفهرار شديد يلوّّن وجوه اشهر فريق كرة في العالم، منذ ان خطف «بيليه» الكرة بقدميه واصبح ساحرها ورمزها الاسطوري.

سوف يبقى في ساحة المونديال، البيض والسمر. الحنطيون خارجاً. وعادت الكرة الاخاذة الى الملعب الاوروبي، والى اهل حروب المائة عام. واهل الحروب العالمية الكبرى. المان يرددون «المانيا فوق الجميع» وفرنسيون يرفعون علم الثورة وايطاليون يغنون للجميع. لم تكن صديقتنا الخضراء تعرف ان خروج فريقها من «المونديال» حوّل «كأس العالم» الى «كأس اوروبا».