كتابات للصيف ـ سرقة المكتبة

TT

اقتحم قبل أشهر منزلي في القرية. ولا اعرف ما هو التعبير أو المصطلح، في وصف ما حدث. فلم يسرق المقتحمون شيئا. ولم يخلعوا الأبواب بل كسروا الأقفال. وتركوا الأنوار مضاءة حوالي أسبوع، وهذه كلفتي الوحيدة. ولم أدر ما أفعل. ثم أبلغني جاري، على بعد 3 كيلومترات، أن الفرقة نفسها دخلت بيته، وفتشت، وفي النهاية سرقت بندقية صيد. واحترت في ما أفعل، فالشكوى في لبنان في مثل هذه الحال، مثل عدم الشكوى، وغلبة الشاكي أكبر من غلبة المرتكب. وخفت إن أنا تغافلت، أن أعرض غيري. وهكذا لجأت إلى الحل الوسط. اتصلت بمراسلة «النهار» في «ملحق المناطق» وأخبرتها بما جرى. ورجوتها ألا تأتي على ذكر اسمي، لا في الجريدة ولا في ملحقها ولا همسا.

وبالفعل نشر الخبر في «ملحق المناطق» غامضا وغير مفصل، لا أسماء ولا شكوى. وفي المساء اتصل بي ضابط الدرك المسؤول معاتبا: «هل صحيح أنه سرق من عندك مسدس؟». وشكرته. وقلت له، إن ما سُرق، على ما أعرف، هو بندقية صيد من عند جاري الدكتور منصور عيد. وسألني لماذا أبلغت «النهار» ولم أبلغ المخفز، فقلت له «أشغالكم كثيرة. لم أحب أن أزيد عليها».

في اليوم التالي اتصل بي رئيس بلدية القرية ملهوفا: «هل صحيح ما سمعنا». قلت له، هدئ من روعك، لكن ماذا سمعت؟ قال: «لقد سرقوا جميع لوحات المدام»؟ قلت، أبدا. إنهم بلا ذوق. لقد رأوا كل هذه اللوحات أمامهم ولم يمدوا إليها يدا. قال، ماذا سرقوا إذن؟ قلت، لا شيء. لا شيء. حتى لبنة الماعز في البراد. وهذا يدلك على نوعية الحرامية. وأنهى السيد رئيس البلدية المكالمة منزعجا: اقتحام ولا شيء، سرقة ولا لبنة ماعز.

ونسيت الموضوع. ومن عادتي أن أمارس رياضة المشي كل يوم في أحراج اليرزة. وهناك يتعرف المشاة إلى وجه مألوف، فيطرحون عليه كل أنواع الأسئلة. وجميعها من النوع السهل والبسيط: متى برأيك تحل قضية العراق؟ متى سوف نرى حلا في فلسطين؟ متى الحل في لبنان؟ هل هو قريب؟ وأجيب عادة بما تيسر من أعصاب وما تبقى من هدوء.

الأستاذ راشد الراشد، مدير مكتب «الرياض» وأنا، الصحافيان الوحيدان اللذان يمارسان هذه الرياضة الجميلة في هذا المكان الجميل. لكن الزميل راشد يبدو، في مهابته، مثل ثري سعودي لا يجوز الاقتراب منه إلا لطلب حسنة، أو بناء مدرسة. ولذلك تطرح جميع الأسئلة «الصحافية» عليَ وحدي. وتعودت أن أتلقى جميع أنواع الأسئلة، كمثل «لوين رايحين»، أو «متى تنحل»، أو هل «قربت تخلص». وبين المشائين في المنطقة أستاذ رياضيات فلسطيني، يروي عادة أكثر مما يسأل. لكنني فوجئت به قبل أيام يتقدم ملهوفا: «هل صحيح أنهم سرقوا مكتبتك في الضيعة». وضحكت. ليس من سؤاله، بل مما سوف أسأل غدا.