الحل أن يدفنوا موتاهم واقفين

TT

هذه العبارات التاريخية: أن أموت على الخشب لا في الخشب، أي يموت على خشبة المسرح وليس في خشبة النعش.. وعبارة أن أموت واقفا لا أن أعيش راكعا، وعبارة أن أموت وفي شعر رأسي بقايا القنديل، أي يظل يعمل في ضوء القنديل الذي يحرق شعره حتى يموت لآخر لحظة يقرأ ويكتب.

ولم يكن أحد يعرف أن عبارة الموت واقفا، ستصبح حقيقة واقعية وليست تعبيرا مجازيا، ففي بريطانيا مثلا عندهم مشكلة أنهم لا يجدون أماكن لدفن الموتى، فقد تكدست المقابر وتزاحم الموتى، مع أن ثلاثة أرباع الموتى يحرقون جثثهم ويضعون الرماد في زجاجات صغيرة.. عدد الموتى سنويا حوالي المليون.

وهناك عدة حلول، إما أن يدفن الموتى في مقابر قديمة، وقد فعلت الكنيسة ذلك من مئات السنين، وإما أن تقام طبقة عليا للمقابر، أو بأن تكون المقابر جماعية، وذلك بالاتفاق بين أهل الموتى القدامى والموتى المحدثين.

أما آخر الحلول، فهو الموت وقوفا، بدلا من أن يتمدد الميت في المقبرة فإنهم يدفنونه واقفا لكي يحتل مساحة أصغر.

وألمانيا الشرقية «سابقا» كانت تحت الاحتلال السوفياتي متفوقة في فنون العذاب والتعذيب، وقد اختبرناها في مصر على أيام الرئيس عبد الناصر فكرة الموت وقوفا، أو الحياة وقوفا، أو العذاب على القدمين، وذلك بأنهم يحدثون تجويفا في الحائط يقف فيه المعتقل أو السجين ثم يطبقون عليه بابا يضغط عليه حتى يحطم ضلوعه أو يعترف بما يريدونه أن يقول. ويقول خبراء التعذيب في مصر، إن هذا الأسلوب كان أثره قويا، فلا يكاد يدخله أحد ويضغطون عليه، حتى يعبر صراخه أعلى من صوت عظامه، وقد أضفنا إلى هذا الأسلوب الألماني السوفياتي شيئا من عندنا، فكانوا يحشرون الاثنين، الرجل وزوجته أو أمه معا، وبدلا من أن يتحطم الواحد بين الحائط والباب، فإن الاثنين يحطمان بعضها بعضا؟

بعض الأغبياء السفهاء في أميركا قرروا أن يدفنوا فوق القمر، وقد دفنوا الملايين من أجل ذلك، أما الأكثر سفاهة فهم الذين قرروا أن يدفنوا في إحدى سفن الفضاء لتظل تدور بهم عشرات أو مئات السنين فإذا خرجت عن مدارها تحولت إلى رماد يتبدد في الفضاء. وبعض الناس أوصوا بأن ينثر رمادهم في الأماكن التي أحبوها، الزعيم الهندي غاندي الذي كان ضئيل الحجم أمر بأن يدفن عند رأس كومرون في أقصى جنوب الهند.