الشباب والعولمة وأميركا

TT

استضافت مملكة البحرين قبل عشرة أيام مؤتمراً عن «الشباب والعولمة آفاق وتحديات»، وضم وفوداً من غالبية الدول العربية.

المؤتمر كان مخيباً للآمال. فالأهداف التي كتبت على المطويات التي وزعت علينا في المؤتمر كانت تغري بطرح عميق وجاد، فضلاً عن أن عناوين المحاضرات هي أيضاَ أنبأت عن طرح مختلف، ولكن المفاجأة كانت أن أي من المحاضرات المجدولة على قائمة المؤتمر لم تتحدث عما أعلن عنه، باستثناء محاضرة الإعلامي تركي الدخيل، الذي شارك بورقة، أو «خواطر» كما سماها، حملت عنوان «صناعة الحضارة» وكانت هي الأقرب للعنوان. فمحاضرة الدكتور حسين جاسم التي كان من المفترض أن تتحدث عن «إلحاق الشباب بالحركات الاقتصادية والتجارية العالمية السريعة والتي لها التأثير المباشر في سوق العمل الذي يحوي الطاقات الشبابية المنتجة»، انحرفت عن مسارها وأصبحت رصدا تقليديا لقوانين التجارة العالمية وتكتلاتها الاقتصادية.

أما محاضرة الدكتور نزار البحارنة، والتي بدورها يجب أن تجيب عن السؤال الموضوع في المطوية المُعرّفة بطبيعة المحاضرة «هل تشكل الإنترنت فرصة نجاح أو تهديد للشباب؟» تحولت هي أيضاً الى دورة تعليمية في استخدام الإنترنت.

وفي الختام جاءت محاضرة السيد أحمد المنصوري، الذي تحولت ورقته من «الشباب وقيمة الانتماء والهوية الوطينة» الى استعراض لمشروع تعتزم دولة الإمارات تطبيقه للحفاظ على هويتها الثقافية. اللافت في مشاركات ومداخلة الشباب أنهم جميعاً جاءوا راغبين ومتحمسين لتحميل أميركا مرارة واقعنا العربي. فبهاء من سورية، ركزت على ان العولمة ليست دائماً أسلوبا جيداً للحياة «فدولة مثل أميركا لا تقبل منتجات غير منتجاتها، لذلك هي تقبل أن نكون فقط مستهلكين وليس منتجين».. وهنا غيرت نبرة صوتها الى درجة أكثر جدية لتؤكد أن «التبادل العولمي يكون بين جهتين متوازنتي القوة». بالطبع فات على بهاء في محاضرة الدكتور جاسم أنه ذكر أن أميركا تحديداً مفتوحة تجارياً ومنتجها المحلي يواجه منافسه من نظيره الياباني والصيني. ولكن الأهم، منعنا حقاً من تصدير منتج مفيد للاستهلاك العالمي؟ أو بالأحرى هل نملك منتجا حتى لو كان غذائيا قادرا على منافسة «ماكدونالدز» أو «ستاربكس». ولكن العجيب أن الصالة اشتعلت تصفيقاً لها حتى من قبل الشابين اللذين كانا يجلسان خلفي، وأكاد أجزم أنهما لم يفهما ما الموضوع، لأنهما طوال المداخلة وهما يتحدثان عن مباراة منتخبي ايطاليا والمانيا والتي كانت ستقام في ذات اليوم.

ومداخلة أخرى على نفس النسق، جاءت في ورقة العولمة التقنية من قبل الوفد المغربي المشارك، والذي لام الأميركيين على أن نسبة حضورهم على مواقع الإنترنت تقارب الخمسة والتسعين في المائة، وهنا كان رد تركي الدخيل كافياً في ورقته عندما سأل «ومنع العرب من أن يحتلوا ذات النسبة». بالطبع انتهى اليوم الأول من الحاضرات وتناثر الشبان في حلقات نقاش في جنبات المؤتمر وهم يحتسون..القهوة الأميركية.

أكثر ما يثير الدهشة هي التوصيات التي ظهر بها الشبان المشاركون. والتوصيات جاءت نتيجة ورش عمل قسمت الى أربع مجموعات، بحيث يتم النقاش على بعد من أبعاد العولمة.

المدهش في التوصيات أنها جاءت مناقضة لطرح المحاضرين في المؤتمر. فتوصيات محور العولمة السياسية كانت تشكر الدول التي أقرت تدريس طلابها مواد عن التربية الوطنية والإشادة بها، بينما المحاضر رأى أن لا فائدة من تدريسها وشرح ذلك. وتوصيات محور العولمة الاقتصادية، جاء أبرزها ينص على فرض شروط على المستثمرين الأجانب، وهي أيضاً مناقضة لطرح المحاضر الذي أوضح أن وضع الشروط غير ذي جدوى لأنه سينفر المستثمر ويجعله يشد الرحال الى دول أخرى. وفي محور العولمة التقنية، طالب الشبان بسياسة الحجب والوصاية وتقوية الوازع الديني لدى الناشئة، علماً أن المحاضر أثبت أن الحجب والوصاية ليستا وسيلتين ناجعتين للرقي باهتمامات الشبان، وأخيراً العولمة الثقافية التي جاءت توصياتها بمفاهيم عائمة مثل جعل الدين مرجعاً رئيساً والابتعاد عن البهرجة الحضارية التي يروج لها الغرب، وهي بدورها تتناقض مع آراء المحاضر الحاضة على الاستفادة من مشاريع الغرب التنموية والاجتماعية. المؤتمر انتهى، والشباب يغنون «الحلم العربي» والصالة أصبحت في هرج ومرج..

m.jazairy@asharqalawsat.