الموقف السعودي ينتشل لبنان من الفخ السوري ـ الإيراني

TT

عندما يصبح وطن لقمة سائغة في فم الذئاب، تكبر الحاجة إلى من ينقذه، خصوصا إذا كان التوازن بين القائمين عليه معدوما، الأمر الذي سمح بإعادة تحويله إلى ساحة حرب عندما حان وقت الاستحقاق الاقليمي.

لقد فاجأ الموقف السعودي الأخير الذي أعلن انه لا بد من التفرقة بين المقاومة الشرعية والمغامرات غير المحسوبة، محملا من تسبب بها عبء إنهاء الأزمة، الكثيرين، كونه كشف الأوراق علنا ورفع الغطاء عن مراهنات كثيرة. ولكن كان لا بد من هذا الموقف لحماية ظهر لبنان.

ألم يفاجئ عمل حزب الله الأخير اللبنانيين وبعض الدول العربية، ليس كلها، وبعض الدول الاسلامية وليس كلها ايضا؟

في مؤتمره الصحفي الذي عقده الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يوم الاربعاء الماضي، كانت عباراته مليئة بالتهديد للجميع، أراد وضع لبنان واللبنانيين والمنطقة أمام الأمر الواقع الذي قرره الحزب بالتنسيق مع دمشق وطهران. قال السيد نصر الله في مؤتمره الصحفي إن عملية خطف الجنديين الاسرائيليين خطط لها منذ خمسة اشهر! ألا يفاجئ هذا الكلام اللبنانيين الذين وثقوا بحزب الله وبحكمة السيد نصر الله، ذلك انه يجلس على طاولة الحوار اللبناني ـ اللبناني منذ اكثر من ستة اشهر، وعلى تلك الطاولة التي علق عليها كل اللبنانيين بلا استثناء، آمالهم بمستقبل مستقر لهم ولأولادهم. وعد السيد حسن نصر الله عندما برر إبقاء السلاح مع حزب الله بأنه مهما حدث، لن يكون الحزب سببا في دفع اسرائيل الى ارتكاب اي مغامرة تؤدي الى الإضرار بلبنان!

قال السيد حسن نصر الله، إن العملية يخطط لها منذ خمسة اشهر، قالها بعد مرور اقل من خمسة ايام على لقاء جمعه برئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة المستقبل سعد الحريري حيث اتفق الثلاثة على العمل لتفعيل الحكومة ولبذل الجهود لانجاح الموسم السياحي في فصل الصيف.

وقبل ايام من تلك العملية، نقلت صحيفة «السفير» اللبنانية المقربة من حزب الله عن مصادر موثوقة قول الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز للأمين العام لحزب الله «انت ابننا»!

ثم جاءت عملية خطف الجنديين الاسرائيليين، بعد أن استقبل الملك السعودي وزير الخارجية السوري وليد المعلم وبحث معه الوضعين السوري والفلسطيني. لكن، ورغم استباق الأمين العام لحزب الله تحليلات المراقبين لعلاقة الحزب بإيران وسوريا، كانت المراهنات الاقليمية كثيرة على الحزب وعلى دور حماس في غزة. ولفت الانظار أخيرا سماح سوريا لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل بعقد مؤتمر صحفي في دمشق بالذات، وهي الحريصة دائما على وضع مسافة بينها وبين العنف، بغض النظر عن دورها الحقيقي.

عبّر مشعل عن رغبة في تحويل حماس الى حزب الله من ناحية الدور والتكتيك.

بعد توقيعها الاتفاق العسكري مع ايران، وشعورها ان العالم المعني لا يطالبها بأكثر من تغيير تصرفاتها ولا يمس بأسس نظامها، شعرت دمشق انها تمسك العصا من طرفيها وبقوة. فها هما المملكة العربية السعودية ومصر قلقتان من أي فراغ قد تسببه الاطاحة بالنظام السوري، والرئيس الاميركي جورج دبليو بوش مشغول في العراق وقلق من برنامج ايران النووي ومقبل على انتخابات، وحتى لو انه يتمنى الاطاحة بالنظام السوري، إلا ان لا خطة لديه لتحقيق ذلك، ثم ان المؤسسة العسكرية الاميركية ابلغت وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد بأنها غير مستعدة لقصف مواقع في ايران من دون ما يثبت تورطها في تصنيع السلاح النووي. اذن الكل يرغب في رضى سوريا، ولكن عليها دين لايران. فهذه تريد تخفيف الضغوط الدولية عنها وعدم طرح برنامجها النووي على مجلس الأمن، مما قد يؤدي الى فرض مقاطعة دولية، لا بد من ان تثير قلاقل في الشارع الايراني.

الدولتان تريدان ابقاء المشاكل بعيدة عنهما، والاثنتان تشتركان في عدة اوراق، منها حماس وحزب الله. سوريا تريد فك العزلة عنها وخلط الأوراق لتتجنب نتيجة التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وايران لا تريد اعطاء أي رد على العرض الأوروبي ـ الاميركي.

حصر الصراع الاسرائيلي والفلسطيني في غزة لم يؤلب العالم، في حين ان لبنان حضن ثورة الأرز، وتراهن على نجاح الديموقراطية فيه كل دول الغرب، ثم ان ابناءه لم ينجرّوا الى تجديد الاقتتال، لكن يسهل اشعال فتيل التناحر في ما بينهم، واصبح مهيأ ليكون اللقمة السائغة المطلوبة.

الدول العربية المعنية إما مشغولة بالوضع الفلسطيني ـ وتمت خربطته عندما كادت مصر تنجح في لملمته ـ أو مشغولة بالوضع العراقي وتريد تجنب فتنة مذهبية وتقسيم العراق ولجم النفوذ الايراني.

ارسلت ايران علي لاريجاني كبير فريق المفاوضين حول البرنامج النووي، لتأجيل توقيت وقف تخصيب اليورانيوم وعندما علم بأن المسألة ستحول الى مجلس الأمن، جاءت عملية خطف الجنديين الاسرائيليين.

الأجندة الاقليمية تتجاوز مصالح ذلك الوطن الجميل، الخارج من حرب طويلة، المزهو بأنه اعاد اعمار نفسه ولو بديون باهظة والمرحب بالسياح والمصطافين العرب والأجانب. الذئب الاقليمي ـ كي لا نقول الثنائي ـ لا يحسب هذه الحسابات، خصوصا ان المخاوف من مستقبل مجهول أربكت دولا كثيرة، وصارت الفرصة سائحة له. وقد اثبتت التجارب ذلك، فالسياح الايرانيون يتدفقون عبر سوريا الى لبنان بمعدل 340 سائحا يوميا، وتحولت مناطق في الضاحية الجنوبية ـ حارة حريك ـ الى حي ايراني.

لاريجاني وصل فجأة الى دمشق، بعد ان جاءه أمر من طهران للعمل على إشعال ازمة اقليمية تبعد الأنظار عن ايران. والتقى نائب الرئيس السوري فاروق الشرع. تحدث الأول عن ضرورة الحرب على اسرائيل، ورد الثاني بأن الاحتلال يبرر عمل المقاومة في لبنان وفلسطين. متناسيا ان الجولان ـ الأكبر من لبنان ـ محتل هو الآخر منذ اربعين سنة. وفي كلمته إهانة للشعب السوري. في مؤتمره الصحفي قال امين عام حزب الله، انه لا يريد اي تصعيد، وكأنه خطف جنديين اسرائيليين من مدرسة للأيتام!

بدأت اسرائيل تدمير لبنان، الذي يشعر اللبنانيون انهم أعادوا بناءه برموش عيونهم.

الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد اتصل بالرئيس السوري بشار الأسد، ليبلغه بأن أي اعتداء على سوريا هو اعتداء على كل المسلمين!

الدولتان تشعران بأن الدول العربية الأخرى استسلمت رغما عنها لمعادلة مقبلة وهي الهلال الشيعي. فسوريا تتكلم عن المقاومة ولو على جثة لبنان، وايران تتحدث باسم كل المسلمين، لبنان وقع رهينة لحزب الله ولسوريا وايران، والاسلام كاد ان يقع رهينة لأطماع ايران.

الموقف السعودي الحاسم، رفع الغطاء باختصار عن المراهنات السورية، وبأنها تملك العصا بطرفيها. ومن الضروري أن يعيد ملء فراغ في لبنان.

تحرير الأسرى مطلوب، لكن قتل ابرياء وتدمير بلد بكامله من أجل تحريرهم غير مقبول ومرفوض. هناك قوانين دولية والسيد حسن نصر الله تحدث عنها، عندما برر خطف الجنديين من الاراضي الاسرائيلية. سيحاول البعض رش السموم على الموقف السعودي، والقول انه يمهد لفتنة مذهبية. هذا خطأ لأن الرياض «حضنت» السيد حسن نصر الله وحضنت النظام السوري، وراعت كثيرا إيران. أما المسيحيون في لبنان، فإنهم عاشوا زمنا طويلا في البحر السعودي، كما عايشوا البحر الايراني زمن الشاه محمد رضا بهلوي. لكن عندما جاء آية الله الخميني مطالبا بالغاء الحدود والغاء الاقليات، شعروا بالخوف.

من الضروري ان يجذب الموقف السعودي مواقف عربية واسلامية أخرى. ولم يقل احد مرة ان اسرائيل جمعية خيرية، ولماذا على لبنان ان يدفع دائما ثمن مغامرات اطراف محلية مدعومة من قبل اطراف اقليمية!