العروس تلبس الحجاب (على وزن عنوان فيلم شهير: العروس تلبس الحداد)

TT

تطلعت الانكليزية أماندا موريس لأكثر من عامين للاحتفال بزفافها الى سكوت لي، في شهر سبتمبر في منتجع حدائق التون تاورز وسط انكلترا التي تشمل فندق، وكازينو، وبحيرات وأمكان للهو وألعاب الملاهي البرية والمائية.

وتقليديا يتكفل أبو العروس بنفقات الزفاف ابتداء من عقد القران في الكنيسة بعد الظهر، حتى مصاريف غرف المنتجع والمواصلات للمدعوين ومأدبة العشاء، وغالبية الآباء متواضعي الدخل يقترضون آلاف الجنيهات لرفع الرأس أمام أهل العريس.

فاجأت إدارة المنتجع المدموزيل موريس هذا الأسبوع بمطالبتها ارتداء الحجاب الإسلامي، ومنع الشمبانيا، شراب الاحتفال التقليدي في الأفراح، وحظر ارتداء المدعوات ملابس قصيرة، وحظر الغناء والرقص، ويفصل بين الجنسين في مركبات الملاهي، اهم ملمح في المنتجع، حسب فتوى أصدرتها مؤسسة «المتعة الإسلامية»Islamic Leisure التي استأجرت المكان يوم 17 سبتمبر المقبل في مهرجان «للمسلمين فقط». واشترطت المؤسسة، التي لم يسمع الكثيرون بها من قبل، التزام الجميع، عاملين وزوارا، مسلمين وغير مسلمين، بأصول الشريعة، وفرض الحجاب قسرا، ومنع المشروبات والاختلاط بين الجنسين اثناء اللهو، مهما كانت براءة القصد، ومنع حتى نشاطات الترفيه المعتادة التي تراها في دبي وبيروت وكازابلانكا.

العروسان والأهل في حالة ذهول تام، خاصة وأن أبا العروس دفع ثمن الحجز قبل 18 شهرا؛ لكن ادارة التون تاورز، على ما يبدو، لا تريد «جرح مشاعر المسلمين»، خشية اتهامها بالعنصرية من جانب الوية التصحيح السياسي Political Correctness وكتائب التعددية الثقافية Multi-culturalism وجماعات اليسار التي تكرر اخطاء حكومات الشرق الأوسط بالرضوخ لابتزازات المتطرفين من الحركات السلفية، تجنبا لفتاوى التكفير وتقية من القنابل الانتحارية.

جماعات اليسار (تسمي نفسها تقدمية) فرضت ظل ارهاب فكري على الليبراليين والديموقراطيين بشكل يجبن معه مسؤولون، كإدارة التون تاورز، عن رفض مطلب غير معقول من أقلية (السلفيين)، داخل اقلية (مسلمي بريطانيا) تفرض تحيزها الثقافي على 98% من أهل البلاد.

ويجد الانعزاليون السلفيون في تبني حكومة توني بلير رسميا لسياسة التعددية الثقافية، فرصة لضرب حصار حول انفسهم في غيتو ثقافي كسجن محصن، ينكلون داخله بالنساء وبغير القادرين ماديا ونفسيا على التصدي لهم. الضعفاء داخل الغيتو، كفتيات يرغمن على الزواج بغرباء مستوردين من قرى باكستانية أو يحرمن من حق اختيار الملبس والتعليم، اذا ما حاولوا الاستنجاد بمؤسسات اجتماعية (مساواة ببقية البريطانيين) ترفض جماعات اليسار مبدأ تقديم العون لهن بحجة احترام خصوصية الثقافة الاسلامية.

والى جانب الانعزالية تظهر حوادث كاحتفال 17 سبتمبر، المسلمين كقوم متسلطين يسيئون استغلال دعوة الحكومة للأغلبية لمعاملة الأقليات بصدر رحب، ويستغلون قدراتهم الشرائية (مؤسسة المتعة الإسلامية Islamic Leisure انفقت اضعاف ما دفعه موظف بسيط لزواج ابنته) في فرض ثقافتهم مما يؤدي لغضب اصحاب البلاد ويرفضون قبول الثقافة الاسلامية كثقافة دخيلة على بريطانيا. والمسلمون عرفوا الطبيعة التحررية لبريطانيا قبل ان يقصدوها طواعية باختيارهم الحر بعكس السود في امريكا الذين بيع اجدادهم قسرا كعبيد قبل ثلاثة قرون.

واذا نظرنا للمشهد نفسه بمرآة ثقاغرافية (اي ثقافية/ جغرافية) في بلد جاءت القوات الغربية لحمايته وتحريره كالكويت عقب الغزو الصدامي، ورغم ترحيب الكويتيين وعرفانهم بالجميل، فإن قوات التحالف لم ترتكب ما يخدش حياء البلد المضيف.

ولنتخيل جالية بريطانية في بلد اسلامي كباكستان مثلا، تقيم حفلا صاخبا ضاربة عرض الحائط بثقافة البلد المضيف، وتقدم المشروبات الروحية، وتتمشى نساؤها بالبكيني بسبب حرارة الجو. ولو حدث لحشد الأئمة المتشددين من فوق منابرهم الغوغاء للخروج الى الشوارع يكبرون ويحرقون السفارات البريطانية من جبال اطلس حتى ممر خيبر.

لكن هذا افتراض بعيد الحدوث لأن البريطانيين قوم متحضرون حساسون لثقافة الغير، يحبون لجيرانهم واخوانهم ما يحبون لآنفسهم، ويؤمنون بحرية الفرد في الاختيار تاركا الآخرين يعيشون حياتهم بطريقتهم دون فرض اي ثقافة على احد. الملاحظ احتكار يوم المتعة الاسلامية في 17 سبتمبر من جانب الشركة التي تحمل الاسم نفسه عبر موقع لجنة العلاقات العامة الإسلامية Muslim Public Affairs Committee (MPAC) الذي يتولى الدعاية للمهرجان. الموقع مملوء برسائل غاية في التشدد، فالبعض يتسائل اذا كان اليوم الترفيهي «حرام»، لأن الدخل سيذهب لأصحاب التون تاورز «الكافرين». ورسائل تتساءل عما إذا كانت ألعاب اللهو ستشمل الفروسية والرماية ولعبة «اطلق الرصاص على جندي أمريكي».

وتشكو معظم الرسائل من السماح للنساء بحضور يوم المتعة الإسلامية، الذي سيفسد ولا شك متعة آخرين كالعروسين اماندا وسكوت.

اقارب العروسين على الأرجح لا يعرفون الكثير عن الاسلام، فلا سبب يدعوهم لمعايشة مسلمين اجتماعيا وثقافيا. ونظرة العروسين للمسلمين، كما قالا للصحافة كانت، محايدة، كغالبية البريطانيين. فالإنكليزي لا يختلط بالجار الجديد، «لأن كل واحد في حاله» ولا يبادل غريبا الحديث حتى يتم التعارف بينهما رسميا عبر طرف ثالث. وهذا التعارف تم هذا الأسبوع، عبر «مؤسسة المتعة الإسلامية» بين مسلمي بريطانيا وأهل العروسين.

فهل ستبقى نظرة المدموزيل موريس واصدقائها «محايدة» تجاه «غرباء» افسد التعرف عليهم اهم يوم في حياتها؟

والكلام ينطبق على المدعوين وزائري المنتجع، حيث يحكون لمعارفهم تجربة «اول احتكاك» بالثقافة الإسلامية عن قرب، بعد المعرفة العامة بإطلالة اثنين من أربعة مسلمين (ارتكبوا جريمة تفجيرات لندن) عبر شاشات الجزيرة مؤكدين تمسكهم بالإرهاب وبالإسلام معا.

مؤسسة المتعة الإسلامية قدمت هدية ثمينة للتيارات النازية المتطرفة كالحزب القومي البريطاني، التي تكره الأجانب وتعتبرهم مسؤولون عن تفشي البطالة وازمة الإسكان والجريمة، وتحذر ادبياتهم من «خطر الإسلام على الثقافة البريطانية التي قدمت للعالم الحضارة الديموقراطية».

وما هو اجابة المؤسسة عن سؤال البريطانيين للمسلمين: «لماذا جئتم لبلادنا، إذا لم تعجبكم طريقة حياتنا وثقافتنا؟».

لجنة العلاقات العامة وعشرات من المنظمات والمؤسسات الطفيلية التي لم ينتخبها أحد، عينوا انفسهم أوصياء متحدثين باسم مسلمي بريطانيا، حيث تدفع حكومة العمال الجديد بحماقة وسفاهة سياسية منحا ودعما ماديا لهم. ألم يكن من الحكمة ان تكتفي لجنة العلاقات العامة الإسلامية بالإعلان عن المهرجان، وتترك للمسلمين والمسلمات حرية اختيار الملبس من سفور أو حجاب وحرية والمأكل والمشرب وطريقة اللهو؟

أليس من الأفضل تذكير الإنكليز بأن تحية «سلام عليكم» تعني احترام حرية الآخرين وحق الفرد في اختيار المأكل والملبس؟

ألم يكن من الأفضل تقديم المسلمين والمسلمات كأفراد لهم تفكيرهم الخاص، بدلا من تقديمهم كنسخ مكررة لنمط واحد Stereotype مما يضيف للجروح العميقة ملح الانعزالية الذهنية للمسلمين المنغلقين في «حارة المسلمين» مثل حارة اليهود الانعزالية في القرنين الماضيين في اوروبا، والتي أدت الى كارثة مأساة محارق النازية (الهولوكوست)، رغم ان اليهود لم يحاولوا فرض ثقافتهم بالعافية على المجتمع، كما تحاول بعض المنظمات الاسلامية ان تفعل اليوم مثيرة غضب البريطانيين.

ويا ليت مسلمي بريطانيا يتعلمون درس التاريخ وخطورتي الانعزالية، وفرض الذوق والثقافة على الآخرين مسلمين وغير مسلمين.