المقاومة من الباطن

TT

من السهولة النظر لما يحدث في لبنان الآن من اعتداء سافر، وعدوان دنيء من قبل اسرائيل على المدنيين العزل، وعلى البنية التحتية من زواية واحدة والحكم عليه بصورة محدودة. ولكن ما يحدث «على الساحة اللبنانية»، ليس بالحرب التقليدية المتعارف عليها، فهناك فرق وأحزاب مختلفة قررت سداد بعض الحسابات الثقيلية لصالح الآخرين.

ومن الصعب التعامل مع أحداث غزة ولبنان على أنها مجرد أحداث عابرة وخارجة عن السياق الكبير، فالذي قام بأسر الجنود الإسرائيليين كانت حكومة حماس من جهة وحزب الله (المشارك في الحكومة وبالبرلمان اللبناني) من جهة أخرى، وبالتالي في الحالتين هناك موقف رسمي لا بد من التعامل معه فيما يخص تداعيات الأزمة نفسها.

وهذا أمر مختلف عما كان من الممكن أن تؤول اليه الأمور لو أن مجموعة «جند الشام» في سورية قد خطفت جنديا اسرائيليا وقامت بأسره، أو أذرعة الاخوان المسلمين في مصر أو الأردن مثلا قامت بعمل نفس الشيء. إن ما يحدث في غزة ولبنان هو عربدة اسرائيلية وإرهاب دولة لا حرمة فيه لأرواح الأبرياء والمدن. إلا أن الاستمرار في التعاطي بالقرارات الكبيرة بصورة فردية و«عنترية» دونما احتساب دقيق للعواقب سيجعل من أي مكاسب أو أرباح متوقعة لتلك القرارات ملوثة بالدماء. هذه التجربة المريرة بقدر ما تكشف عن بطش وجبروت اسرائيل ولكنها في ذات الوقت تبين لنا أمورا خاطئة في تركيبات النظم السياسية في أكثر من موقع بالعالم العربي, وأن الأمور والأهداف السياسية «مشخصنة» بشكل كبير بكرسي الزعامة وميكرفون الزعيم والخوف الكبير ان يكون حسن نصر الله بات أهم من لبنان، وخالد مشعل أهم من فلسطين.

نعم من السهل الكتابة «بالتنظير» عما يحدث، وحتما أن من يده في الماء ليس كمن يده في النار، ولكن الهدف الأساسي هو تحقيق أفضل المكاسب بأقل التكاليف, وبالوضع الحالي حتما الظروف تحتم حصول نتائج كارثية. فأوراق اللعبة التي بأيدي حماس وحزب الله محدودة، وبالتالي يبقى أسلوب اللعبة الذي يجب اعتماده هو المطلوب تغيره وبسرعة واعطاء حيز السياسة مساحة عقلانية متزايدة.

اسرائيل دولة نمت على الغطرسة والجبروت، وهي بالتالي «تعيش» على هذا النمط وعليه اسلوب المواجهة معها يجب أن يتغير.

بعد أن ينقشع تراب القصف وتخمد النيران، سيكون من الضروري التعامل مع الوضع «الجديد» بصورة مختلفة، لأن «المقاومة من الباطن» ليست الحل المطلوب بقدر النظرة العقلانية والواقعية، عكس ما يريد المطبلين على المسرح السياسي العربي.

[email protected]