فايشباخ وكلمة (يقال)

TT

شاهدت كما شاهد غيري برنامجا وثائقيا بثته قناة «الجزيرة» القطرية بعنوان «أميركا وموقفها من مساعي اقامة الدولة اليهودية» والذي شارك فيه عدد من المتخصصين وغير المتخصصين. وغالبا لا يشارك في مثل هذه البرامج الوثائقية سوى المتخصصين والعارفين بالموضوع لأنها ليست برامج حوارية او برامج عامة وإنما تقوم على سناريو يعد مسبقا وانتقاء المشاركين حسب مراحل ذلك السناريو.

وفوجئت بأن نص السناريو أخذ في التحول والابتعاد عن المنهجية والحرفية المعروفة في هذا الجانب ولا شك انه امر مقصود. فلقد جاء التعليق الصوتي ليشير الى وجود وثيقة في الأرشيف القومي الأمريكي وردت الى وزارة الخارجية الامريكية من القدس ومترجمة من الألمانية وبتوقيع شخص يدعى اسحاق دلينغر متحدثا باسم عدد من اليهود الألمان وعليها اشارة بدون عنوان تتناول محاولات اقناع الملك عبد العزيز بن سعود بالتنازل عن فلسطين لليهود. وهذا صحيح فلقد امتدت تلك المحاولات الى اعلى مستوى وهو حكومة الولايات المتحدة وخاصة عندما حدث اللقاء التاريخي بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت سنة 1945م في البحيرات المرة. وأكد الملك عبد العزيز آنذاك على موقفه من تلك المحاولات مطالبا الرئيس روزفلت بتوطين اليهود في المانيا التي تسببت في اخراجهم وتشريدهم وليس في فلسطين بلد العرب والمسلمين.

والغريب ان المشارك في البرنامج وهو مايكل فيشباخ الذي اشار البرنامج الى انه مؤرخ متخصص في شؤون الشرق الأوسط علق قائلا «يقال إنه خلال اجتماع الملك عبد العزيز مع الرئيس روزفلت على الباخرة في البحيرات المرة في موسكو وكانت هناك ضغوط تتعلق بالقضية الفلسطينية اكد الملك انه لن يقطع علاقاته مع اميركا بسبب القضية الفلسطينية واعتقد ان هذه كانت الفرضية التي اعتمدت عليها الولايات المتحدة الى عهد الملك فيصل وحتى بعده».

والملاحظ ان هذا المتخصص يستخدم عبارة (يقال) وهو يتحدث عن موضوع ظهرت وثائقه ومصادره وكتب عنه الكثيرون وليس مجالا للتخرصات او الافتراضات. وبما ان البرنامج استخدم الوثائق لايضاح جانب المحاولات لاقناع الملك عبد العزيز بقبول اليهود في فلسطين فلماذا لم يستخدم المصادر الوثائقية في هذا الجانب وإنما اكتفى بتعليق شخص غير متخصص في الموضوع يستخدم كلمة (يقال)؟!

كما ان الدكتور فيشباخ يعتقد ان البحيرات المرة في موسكو كما ورد في حديثه وهذا أمر مثير للاستغراب؟!

لذا أحيل الدكتور فيشباخ الى الوثائق التي ليست بعيدة عنه للرجوع اليها وقراءة ما سجل في سجلات الكونغرس الأمريكي عندما حضر الرئيس روزفلت لالقاء حديث موجز بأبرز النتائج التي حصلت في اجتماعاته الأخيرة مع عدد من الزعماء وقالها بوضوح: لقد تعلمت من الملك عبد العزيز عن الوضع في فلسطين في دقائق اكثر مما تعلمته من قبل. ووعد الرئيس روزفلت الملك عبد العزيز بأن لا يتخذ أي قرار بشأن فلسطين إلا بالرجوع الى العرب واليهود معا. هذا هو الوعد الحقيقي الذي ظهر من ذلك الاجتماع وليس ما ذكر فيشباخ بأنه وعد من الملك عبد العزيز بعدم قطع العلاقات مع امريكا بسبب فلسطين. ولنا ان نسأل الدكتور فيشباخ المتخصص في التاريخ السياسي: هل هناك وعد مثل هذا في السياسة الخارجية؟! والجدير بالذكر ان الرئيس روزفلت توفي بعد مدة يسيرة ولم يتمكن من الوفاء بوعده هذا وخلفه الرئيس هاري ترومان الذي اتخذ سياسة مغايرة لما وعد به الرئيس روزفلت لمجاراة الضغوط الصهيونية على ترومان آنذاك.

إن مواقف الملك عبد العزيز تجاه قضية فلسطين واضحة ولا مجال للتشكيك فيها على الاطلاق وبامكان القارئ الرجوع الى المراسلات التاريخية بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت ثم الرئيس ترومان. كما احيل القارئ ايضا الى المواقف السعودية التي تواصلت بعد ذلك من دعم مادي ومواقف سياسية في المنظمات الدولية والاقليمية واستخدام النفط كسلاح وغير ذلك من المواقف الانسانية التي لا يمكن لبرنامج هزيل بثته قناة «الجزيرة» ان يشكك فيه.

* أمين عام دارة

الملك عبد العزيز