واقع الصحة في جدة

TT

حالي في المستشفيات كحال الشاعر الفلسطيني محمد القيسي الذي يقول: «لا أحب المستشفيات، إن نظافتها ورائحتها المعقمة تصيبني بالغثيان». ومع هذا فقد وجدت نفسي قبل أيام أرافق زميلا إلى مستشفى الملك فهد بجدة، بحثا عن سرير لزوجته المريضة بعد أن عز الطلب، وغدا الحصول على سرير لمريض غاية تستحق الاستعانة بالأصدقاء والجيران والأقارب لتحقيقها، فهذا المستشفى العتيق يشبه قطارا هنديا يصفر ويزمر ويهتز، ولكنه يواصل المسير، فقد أثقلت كاهله مدينة حبلى بالناس والمستنقعات وحمى الضنك، يلوذ به الكثير من خلق الله لمعالجة أتعابهم.. فهذه المدينة المسكونة بالزحام لا تزال تتكئ منذ عشرات السنين على بضعة مستشفيات، تعيش حالة طوارئ لاستيعاب مراجعيها، وشوارع المدينة متخمة بلوحات النيون التي تشير إلى المستشفيات والمستوصفات الأهلية، ولكن من يقدر على الدفع؟!..

في تلك الظهيرة هبط على رأسي الذي أنضجته شموس نهارات جدة في شهر يوليو سؤال: هل ثمة علاقة بين كثرة المشافي الخاصة في المدينة، وبين صعوبة أن تجد لك مكانا تأوي إليه بتعبك في المستشفيات الحكومية المجانية؟!.. ورغم أهمية السؤال، فلقد شعرت بعدم الرغبة في البحث عن إجابة، فأنا لست مسؤولا في وزارة الصحة، ولا أمتلك من أدوات تغيير حالنا الصحي سوى البوح.

في مستشفى الملك فهد بجدة إدارة رائعة وأطباء مهرة، ولكن ماذا تراهم يفعلون وسط ضغط الطلب وطوابير الانتظار، فلقد آن الأوان لوزارة الصحة أن تستمع إلى معاناة الناس في هذه المدينة، وأن تدرك أن هذه المدينة تحتاج إلى المزيد من المستشفيات، فلا شيء يقض مضاجع الفقراء، أكثر من شبح المرض إن عز العلاج.

ولوزير الصحة الدكتور حمد المانع نقول: قدرك يا سيدي أن تكون وزيرا لوزارة، هي في نظري أولى الوزارات أهمية، فهي المعيار الحقيقي لأي تطور، والمقياس الأمثل لأي تقدم، فالصحة تأتي في مقدمة الحاجات الإنسانية التي تنشدها المجتمعات بحثا عن طمأنينة وجودهم.. ومجتمع هذه المدينة ليس في بحبوحة من أمره لانتظار مشاريع ربما يحتاج تنفيذها لبضع سنوات.. فماذا عساك أن تفعل لمواجهة واقع لم يأت فجأة، ولكن لأن الذين سبقوك إلى كرسي الوزارة، عاشوا في مكاتب بلا شرفات، فلم يتمكنوا من النظر إلى أبعد من تخوم آنية الزمن الذي عاشوه؟!.. حقا ماذا أنت فاعل؟

[email protected]