أنت مش فاهم يا ربيع!

TT

«أنت مش فاهم يا ربيع!!» هكذا لخص عمرو موسى الحالة العربية وهو يرد على خطبة من أحد الصحفيين في مصر، «شرحت لك الأمر في ساعات، في درس خصوصي.. بس أنت مش فاهم يا ربيع!!» هذا هو حال الصحافة العربية في وقت الأزمة الكبرى، خطب متبرية، وشتائم ولا أسئلة تبحث عن معلومة أو إجابة، وهنا استخدم ربيع كرمز لحالة الصحافة العربية.

عندما كتبت عن الصحافيين في مصر في الأسبوع الفائت خرجت عليّ جماعة الردح السياسي تتهمني بالتقليل من مهنية الصحافيين، لمن يريد أن يدافع عن مهنية الصحافيين المصريين وبعض العرب فليستمع الى شريط المؤتمر الصحفي بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة. ويقيم حسب طريقته.

«الشارع العربي يغلي.. أين انتم» هكذا قال صحفي آخر، وتبع ذلك بخطبة عصماء عن الهزال العربي. وكأنه أتى إلى عمرو موسى ومعه استطلاع رأي علمي حول آراء الشارع العربي المكون من أكثر من عشرين دولة.. كيف لصحافي في القاهرة أن يقرر أن الشارع العربي يغلي؟؟

المتابع لتاريخ ردود الفعل العربية الشعبية تجاه لبنان وفلسطين يعرف تماما ان حزب الله ليس فلسطين وان التعاطف الشعبي مع حسن نصر الله لا يمكن ان يصل الى اقل تعاطف مع القضية الفلسطينية، لبنان ليست فلسطين، قد تكون كذلك في بلاد الشام ولكنها ليست كذلك في مصر او في شمال افريقيا او السودان، وبذلك يكون عمرو موسى محقا عندما يقول «انت مش فاهم يا ربيع»!!

يا ربيع، الدول الكبرى في المنطقة وخصوصا مصر والسعودية قالت بوضوح إنها لن تقع في فخ نصبه لها حسن نصر الله لكي تدخل حربا مع إسرائيل.. هذه حرب إسرائيل مع منفذي سياسة إيران.. ما دخل مصر في ذلك يا ربيع؟ يبدو انك بالفعل «مش فاهم يا ربيع»! ثم هل استمعت الى زميلك الصحافي الذي سن سنة جديدة في الصحافة عندما قال لعمرو موسى «أحلفك بالله ترد على هذا السؤال» وقدم مشتمة للسعودية وموقفها من الأزمة، بالله عليك يا ربيع على طريقة صاحبك الصحافي، «دي طريقة نسأل بها المسؤولين يا ربيع»..

السعودية يا ربيع دولة كبيرة لديها مسؤوليات تجاه أرضها وشعبها وثرواتها، هل تطلب من السعودية ان تضحي بكل هذا وتدخل حربا ظاهرها الدفاع عن حسن نصر وباطنها حرب بالوكالة نيابة عن إيران..

السعودية مركز مالي كبير اقتصاده مهم للمنطقة وللعالم.. السعودية «مش الصومال.. يا ربيع»!

أما مصر فأنت تعرف أنها دخلت حروبا بالنيابة عن فلسطين، لكنها لن تدخل حربا تتجه صواريخها نحو طهران وليس إلى القاهرة.. لماذا تريد من مصر ان تكون وقودا لحرب أشعلتها إيران.. يا ربيع؟!

مصر دولة لها مصالحها التي تحسبها بطريقتهما، مصر لن تدخل حربا «علشان انته زعلان يا ربيع».

أما اذا تحدثت عن سوريا فهي دولة عربية مهمة، وتعريض أمنها للخطر عن طريق التهييج الصحافي والتلفزيوني فهذا أمر فيه لخبطة وخلط للأوراق.. سوريا أساسية في الأمن الإقليمي العربي، والبحث لها عن مخرج من هذه الأزمة وأبعادها عن نيران إسرائيل هو الأهم وليس ان نجر رجل سوريا لحرب نعرف جميعا انها هي الخاسر الأوحد فيها، «واللا علشان خاطر مشاعرك» الوطنية و«نفسك القومي» نضحي بدمشق؟! يبدو انك مش فاهم يا ربيع!

منذ الدولة الصفوية في 1554 حتى الآن كلما تمددت إيران جاءت دولة خارجية لكي ترجعها الى حدود بلاد فارس، في عام 1554 بعد ان احتلت فارس العراق وشيعت أهلها جاء السلطان سليمان القانوني ورد تمدد بلاد فارس الى موقعها الأساسي، ومنذ ذلك التاريخ حتى حرب صدام حسين مع ايران ونحن نرى ان تمدد ايران في المنطقة يدعو القوى الخارجية للتدخل، والآن نرى أمريكا ونرى إسرائيل ونرى كثيرا من القوى العالمية تتدخل لرد إيران إلى حجمها الطبيعي.. «واللا برضه انته لسه مش فاهم يا ربيعc!

حزب الله أداة إيرانية وليست لبنانية مهما قلت يا ربيع، حزب الله وسلاحه وربما جنوده كثير منهم من إيران يا ربيع.. ثم ان مسألة إغراق البارجة الإسرائيلية في المياه اللبنانية لم يكن إلا إغراقا لسفينة تجارية مصرية ضحيتها 12 مصريا.. حسب أخبار قناتك المفضلة في قطر... «مش كده يا ربيع»!

عندما يقول الأمين العام للأمم المتحدة ان عملية السلام قد فشلت، ماذا يعني ذلك؟! يعني أننا الآن بصدد انهيار للتصور الأساسي للأمن الاقليمي، يعني يا ربيع لا بد لنا ان نفكر في إطار أمني بديل (Alternative Security Structure)، لدينا أمن الخليج، ولدينا أمن منطقة بلاد الشام ولدينا أمن وادي النيل وشمال أفريقيا..

القصة برمتها اكبر بكثير من تصورات خالد مشعل او حسن نصر الله.. يا ربيع!

ثم عندما تتحدث صحفية مصرية في المؤتمر بان لدينا النفط كي نقاطع امريكا والعالم الصناعي ونجبرهم على الانصياع، هذا «كلام فاضي» كما ذكر الأمين العام للجامعة العربية.. النفط السعودي للسعوديين ـ والكويتي للكويتيين والنيجيري للنجيريين، فمن فضلك قل لصاحبتك الصحافية المهنية الخطبجية ان الصحافة «مش كده يا ربيع»!

مشهد المؤتمر الصحافي أمام جامعة الدول العربية وضح لنا بما لا يقبل الشك باننا أمام حالة مناضلين وليس حالة صحافيين، نحن كجمهور نريد منكم ان تأتوا لنا بالمعلومة كي نعرف ما هو البيان الختامي، ولماذا جاء بالصيغة التي جاء عليهما، ومن صاغ هذه القرارات، وهل هناك تباين بين العرب تجاه حزب الله او تجاه اسرائيل..

ما هو موقف الدول العربية من التغلغل الإيراني في العالم العربي من العراق الى لبنان الى البحرين؟! هل يقبل العرب بأن تعبث ايران بالأمن الاقليمي العربي من خلال عملاء لها في السياسة والصحافة ومن خلال مليشياتها على الأرض.. ام انك تخاف ان تسأل مثل هذه الاسئلة حتى تتجنب غضب اللوبي الايراني في الاعلام المصري او الاعلام العربي.. «واللا انته مش فاهم يا ربيع»؟!

كان في المؤتمر الصحفي سؤالان من صحفيين غربيين سألا بصورة محددة عن الآليات التي تقترحها الجامعة العربية لوقف اطلاق النار ولإنهاء حالة الموت ومساعدة المدنيين المنكوبين.. لماذا لا تسأل اسئلة كهذه.. «واللا انته مش فاهم يا ربيع»..

ثم حكاية الشارع العربي اللي بيغلي، لم يقوض السعودية عندما قلتم ذلك عند غزو صدام للعراق، ولا عندما انهار نظام صدام، السعودية ومصر دول وليست حدائق عامة.. واللا انته مش فاهم يا ربيع؟!