والد ومولود

TT

هذا الصباح وقبل ان يكتمل شروق االشمس تذكرت طرفا من حديث دار بيني وبين ابنتي. فقد خابرتني وهي تتأهب لحضور مؤتمر هي واحدة من اصحاب الكلمة فيه. كانت مرتعبة من الصعود الى منصة ومخاطبة جمهور عبر مكبر صوت.

لم اجد للانكار سبيلا فقلت لها إنني مثلها اخشى ان انسى ما اريد ان اقوله وانا في مواجهة الناس وأنني ارتعب لأنني اري بعيني خيالي مئات العيون مصوبة نحوي وقد هجرتني قدرتي على الكلام وظهرت حبات العرق على جبيني. ثم اسعفتني البديهة فقلت لها: الحل اذن هو ان تدوني نقاطاً او رؤوس مواضيع على كارت صغير تحملينه معك. وان هاجمك الخوف تذكري انك دعيت للكلام وان من جاء جاء لكي ينصت. مسؤوليتك هي ان تذهبي الى المؤتمر وافكارك مرتبة ومظهرك لطيف وابتسامتك حاضرة.

بعد المؤتمر جاءني صوتها عبر الهاتف يحمل رنة النجاح والثقة والحمد لله.

ولعل هذا الموقف هو الذي اقنعني بأن اثمن ما يمنحه والد لمولود هو الصدق والثقة بالنفس.

أن تتمتع بالثقة هو ان تعرف نفسك وان تقدرها تقديرا واقعيا بحيث تعلم في دواخلك حدود امكاناتك بلا زيادة ولا نقصان. لأنك ان مسك غرور بالغت في تقدير ذاتك وتجاهلت نقاط ضعفك. بينما تمنحك الثقة فكرة واقعية عن مواطن الضعف والقوة بدون ان يشعرك ضعفك بالضآلة او الحاجة الى التواري او الاعتذار. انها بذرة تولد معنا ثم تنمو وتزهر في تربة العلاقة مع الوالدين في السنوات الاولى. فمن الثابت علميا ان الطفل الذي يتمتع بعلاقة متصلة ومستقرة مع والديه في سنوات تكوينه الاولى يصبح في مراحل النضج واثقا متزنا.

ولكن هل يمكن لفاقد الشيء ان يعطيه؟ ان لم يكن الوالد واثقا كيف يمكن للولد ان يكون واثق الخطوة؟ تلك هي المسألة. ولكنها مسألة لا يتأثر بها الطفل في المراحل الاولى لأن كل ما يقوله الوالد لمولود يترسب لديه كأداة من ادوات الحقيقة يتقبلها ويوظفها الى ان تكتمل قدرته على التفاعل مع العالم الخارجي وتكوين آراء مستقلة وردود فعل خاصة. المهم هو الا يظن الوالد ان واجبه كوالد يحتم عليه ان يقدم نفسه لولده على انه آية في الكمال لا يخطئ ولا يتعرض لخوف او احتمال فشل.

أتذكر اليوم واللحظة التي واتتني فيها الشجاعة لكي اعترف لابنتي بأنني ابغض مشاهدة افلام الرعب لأني لو شاهدت احدها شعرت بالخوف لأيام متصلة. كنا شاهدنا معا فيلم صمت الحملان.

وعدنا الى البيت ولم يفارقني التوتر لساعات طويلة. وحين حان وقت النوم ادهشني انها قالت هل يمكننا ان نأوي الى غرفة واحدة لأنني اشعر بالخوف؟ فانفجرت ضاحكة وقلت لها انني ايضا خائفة، وعدونا عدوا الى الطابق الاعلى.

لم اجد حرجا بعد ذلك في الاعتراف لها بأنني كنت اشعر بالضيق والتوتر قبل الامتحانات خوفا من الفشل لأن ابي كان شديد الاهتمام بالنجاح المدرسي وان خوفي من الفشل كان خوفا من فقدان حب ابي.

كلنا يتلمس طريقا للنجاح.. الوالد كوالد والمولود كولد. المهم هو ان تكون صادقا في كافة المواقف والاحوال واترك البقية لتصريف القدر.