من أجل خطوط تسعد الناس

TT

الخطوط الجوية السعودية هي الأكبر عربيا في مجالها، أسطولا وحركة وتجربة. وهذه الخطوط أكثر طيران العالم حظا، ولا أعرف واحدة بمثل حظها. فهي تتمتع بنقل ملايين الحجاج والمعتمرين من أنحاء العالم بشكل مضمون. محظوظة ببلد مليء بستة ملايين أجنبي، يسافر منهم كل عام الملايين. محظوظة ببقية السكان المواطنين الذين يفر منهم أيضا ملايين عند أول فرصة إجازة إلى الخارج، بعيدا عن الخمسة والأربعين درجة الحارقة. وأكثر من هذا وذاك محظوظة بحكومة تدللها، وتحميها، وتضمن لها احتكاراتها، وتمنع غيرها منافستها وتمولها عند الحاجة.

والخطوط المدللة هذه محظوظة أكثر، لأنه عيّن على رأسها حديثا الرجل الذي أصلح مؤسسة حكومية مماثلة هي الهاتف السعودي، التي كانت مدللة مثلها وعاجزة حينها عن إرضاء الناس.

المهندس خالد الملحم كلف إصلاح الخطوط التي صارت بقرة سمينة عاجزة عن الحركة ينهشها وحوش شركات الطيران المختلفة، وهي لا تفعل سوى الشكوى عند أمها الحكومة من أجل منع الغير من أخذ ممراتها وحصصها الاركابية.

الهاتف السعودي كان في السابق شركة الحكومة، والناس كانت تشتكي من ظلم الأسعار وسوء الخدمة والفساد والمحسوبيات، واعتادت إداراتها السابقة أن تسكت الجميع بدعوى أنها بنت الحكومة، ولأنها تحقق الدخل الثاني للدولة بعد النفط. كانت كذبة كبيرة كشفت بعد أن أصلحت. صارت شركة الهاتف اليوم تسعد الحكومة بمداخيل مالية هائلة، وترضي الناس بخدمات جيدة دون واسطات، وواجهت المنافسة الحرة بخدمة جيدة لصالح المشتركين.

الخطوط الجوية بدورها تعاني من علل مماثلة، وتتميز بفرص لا تعرف مثلها شركة طيران أخرى في العالم، أوضحتها في مدخل المقال. ولو أصلحت لكانت خطوطا أعظم وأربح وأسعد للناس وللحكومة.

وطالما أن مديرها الجديد ورّط نفسه قبل أيام بالقول إنه طلب من كبار موظفيه أن يستمعوا إلى نقد الصحافة واقتراحاتها، فإنني استغل الدعوة وأطلب أن يغلقوا فورا ما يسمى المكاتب التنفيذية. وهي منتجعات لكبار الشخصيات في المطارات، فلا يمرون ببوابات المطار التي يمر بها عامة الناس، ولا يعانون من سوء الخدمات، بل تدار عليهم القهوة المبهًرة، وتصلهم بطاقات الركوب وهم جالسون، وينقلون إلى الطائرات في سيارات فارهة.

هذه المكاتب اشترت رضا كبار الشخصيات فأسكتتهم، أو أنستهم المطارات وحقيقتها. لم يعد أحد يوصل شكوى الناس لأن ناقلي الرأي هم أعضاء فيها بمالهم أو صداقاتهم. يمر بالمكاتب التنفيذية وكلاء الوزارات ومديروها، ومديرو الشركات والبنوك، وكبار الصحافيين، وأصدقاء كبار المسؤولين. وهكذا تغيب الحقيقة.

اقترح أن يبدأ مدير الخطوط شخصيا باستخدام نفس البوابات والصالات التي يمر بها العامة، ليرى بأم عينيه كيف أن الخدمة في مطارات أقل حظا كبنغلاديش أفضل. ليرى كيف يعاني موظفوه، ويعاني معهم ركاب طائراته، ويحكم على الأمور «فيرست هاند»، مباشرة.

ورغم حجم المشكلة إلا انه والحق، رجل محظوظ فقد منح فرصة لإصلاح مؤسسة كبيرة ومهمة، والخطوط أيضا محظوظة لأن مديرها صاحب تجربة كبيرة ناجحة.

[email protected]