حزب الله.. عامل وحدة أم تفريق؟

TT

نجح حزب الله، طوال الأيام العشر الماضية، في إنقاذ الحالة السياسية المتردية داخل إسرائيل، وأعاد بعملية خطف الجنديين وما تلاها من عمليات عسكرية إسرائيلية ضد لبنان، ذكرتنا بأساليب النازيين، اللحمة المفقودة بين الإسرائيليين ساسة وشعبا.

فعلى الرغم من عدد القتلى الذين سقطوا بصواريخ «حزب الله»، وتعرض مختلف المدن شمال إسرائيل للقصف، وحالة الرعب التي عاشها الآلاف من الإسرائيليين في الأيام الماضية. إلا أن ذلك لم يدفعهم سوى الى التوحد خلف حكومتهم اليمينية في مواجهة الخطر. وبلغ الأمر ذروته عبر الدعوات المتصاعدة باللجوء الى مختلف الوسائل لإلحاق الهزيمة بـ«حزب الله» وتصفية قادته.

كان نصر الله يعتقد، ومن خلفه داعميه في «إيران وسورية»، أن جر إسرائيل إلى ملعب العسكرة ـ في هذا التوقيت ـ سيتسبب في انقسام المجتمع الإسرائيلي من الداخل وسيؤدي في النهاية الى إضافة مكاسب جديدة للحزب، تؤكد قيمته كلاعب وحيد على الساحة اللبنانية، وتجدد العهد لسلاح المقاومة، بعد تكاثر الدعوات المطالبة بحصر السلاح في أيدي الحكومة الشرعية، تمهيدا لتطبيق قرار مجلس الأمن 1559، الذي يقضي بنزع سلاح حزب الله وانسحابه من منطقة الجنوب.

حرب الخيار وحرب اللاخيار:

انطلق اللاعبون الأساسيون في تلك المعركة (إيران وسوريا وحزب الله) من نظرية إسرائيلية قديمة تقسم الحرب مع العرب الى قسمين «حرب الخيار مع دول الجوار، وحرب اللاخيار مع الفلسطينيين». في الأولى تتسبب الخسائر في الجيش الإسرائيلي في حدوث انقسامات حادة في الداخل تدفع الحكومة الى تقديم تنازلات أساسية على تلك الساحة. بينما تقوى الثانية من الداخل الإسرائيلي وتوحده خلف حكومته، أيا كان توجهها في مواجهة خطر زوال دولة إسرائيل. لم يعلم اللاعبون الأفاضل أن هذه النظرية قد تغيرت منذ تفجيرات سبتمبر 2001، وأصبحت حرب اللاخيار الإسرائيلية في مواجهة القوى الإسلامية المسلحة، التى تنطلق في أيديولوجيتها السياسية من أن المعركة بينها وبين إسرائيل معركة «وجود لا حدود»، وفي القلب منها حزب الله وربيبته إيران.

فإذا أضفنا إلى ذلك الجهل، هدف إيران الساعي الى إحداث أكبر كم من الفوضى في المنطقة، بعد التهديد بإرسال ملفها النووي إلى مجلس الأمن. واعتبار حزب الله رأس حربتها في تنفيذ تلك الخطة فيما يتعلق بالساحة اللبنانية، بدا لنا واضحا أي جرم قام به حسن نصر الله وحزب الله تجاه شعبه في لبنان وتجاه الأمة العربية والإسلامية بشكل عام.

الغريب أننا ما زلنا نسمع تلك الأصوات التي ارتفعت في السابق تؤيد مغامرات الرئيس العراقي صدام حسين، تصدح الآن بآلاء مغامرات حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله. بل إن هذه الأصوات تمادت حتى وصل بها الأمر الى دفع الحزب الى مواجهة، قد تقضي على مستقبله السياسي بالكامل، إن لم تتسبب في إعادة احتلال لإجزاء كبيرة من لبنان الشقيق.

لقد راح هؤلاء المغاوير يرددون خلف نصر الله، ما تريد إسرائيل توصيله الى العالم، فالمعركة تدور بين ندين متكافئين، وليست حملة تأديبية من قبل دولة نازية لحزب سياسي مغامر، تضر في المحصلة الأخيرة بشعب برئ وبلد لم ترتكب حكومته أي جرم في حق دولة إسرائيل. إن ما حاول هؤلاء تثبيته في الضمير والمخيلة الدولية. هو ما دفع دولا كبرى الى المطالبة بوقف إطلاق النار من الجانبين، وكأنما هناك نار ـ ذات تأثير ـ تطلق من الجانب اللبناني بالفعل.

نفس الخطأ يتكرر وبنفس المسوغات، وكأنما نحن أمة بلا ذاكرة.

معركة وجود لا حدود:

ولكن السؤوال الواجب طرحه الآن: هل يريد حزب الله بالفعل، تحرير كافة التراب اللبناني؟ لقد انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان عام 2000، وحزب الله منذ ذلك التاريخ، وعلى الرغم من عدم إقدامه على عمل محرج لإسرائيل، يراوغ في تطبيق قرار مجلس الأمن 1559، القاضي بانسحابه من الجنوب ونزع سلاح ميلشياته، تنفيذا لرغبة إيرانية بأن يكون رأس حربتها في المنطقة، والحجج لديه عديدة، فلا زال هناك مزارع شبعا المحتلة ولا زال هناك أسرى في السجون الإسرائيلية، وإذا انتهى كل ذلك فلا يزال هناك دور للمقاومة اللبنانية في دعم الفلسطينيين.

ولكن هل هذا هو السبب الرئيسي، وراء مراوغة حزب الله. وماذا لو انسحبت إسرائيل من مزارع شبعا وأعادت الأسرى، هل ينزع حزب الله سلاحه، وهل يسلم الجنوب الى الجيش اللبناني. الإجابة في ظني بلا. لماذا، لأن حزب الله في النهاية يعتبر وجود إسرائيل شرا مطلقا، لا يمكن قبوله شرعا. وبالتالي فالمعركة مع «الدولة العبرية» معركة «وجود لا حدود»، وانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا ومن كافة الأراضي اللبنانية لا يعني انتهاء المعركة، لأن القضية قضية أمة من وجهة نظره، والحزب ومن خلفه إيران ينوبان عن الأمة في اتخاذ قرار المواجهة حتى النهاية، وعلى الأمة أن تتحمل وتصبر حتى يأتيانها بالنصر.

حرب بالوكالة:

لقد امتنع مجلس الأمن قبل أيام عن توجيه طلب لوقف إطلاق النار بين الجانبين، وكل ما استطاع الرئيس الأميركي جورج بوش أن يقوله، هو أنه سيطلب من إسرائيل أن يتجنب جيشها انزال خسائر بالمدنيين، خلال عملياته في لبنان. ولكنه أضاف أنه لن يطلب منها وقف عملياتها، لأنه لا يستطيع اتخاذ قرارات عسكرية بالنيابة عنها.

هذا هو الموقف الدولي والأمريكي، أما الإقليمي فقد أعلنت إيران أنها لن تتدخل إلا إذا تعرضت سورية لاعتداء، وناشدت مصر والأردن والسعودية إسرائيل وقف اعتداءاتها ملمحين لتورط أطراف إقليمية في دفع حزب الله للقيام بمغامرات قد تكلف المنطقة كثيرا.

فماذا بعد؟ هل يترك حزب الله الشعب اللبناني يذبح أمام عينيه ويكتفي بحماية أمينه العام حسن نصرالله. أم أن من عقدها يجب عليه حلها وفي أسرع وقت.

إن الحاجة باتت ماسة لسماع صوت العقل، قبل أن تحل الكارثة. ليس هذا خطاب «المهزومين»، ولكنه خطاب يستجيب لمتغيرات ومحددات واقع عربي وإقليمي يدركه القاصي والداني.

والسؤال الذي يطرح نفسه، إذا لم تكن هذه حربا بالوكالة، فمن المستفيد من تعقد الأوضاع في فلسطين بعد يوم من التوصل الى اتفاق تاريخي بين الفصائل الفلسطينية على برنامج سياسي موحد واستراتيجية ثابتة وحكومة وحدة وطنية. من المستفيد من تعقد الوضع على الساحتين العراقية واللبنانية بعد انتخاب حكومة دائمة في العراق، وإجراء حوار وطني واسع بين كل القوى البنانية. من المستفيد من رفض إجراء ترسيم الحدود حتى الآن بين لبنان وسورية، لحسم قضية مزارع شبعا. ثم لماذا لم نسمع طلقة منذ أو نرى حجرا يتيما يلقى في الجولان منذ عام 1973، أليست الجولان أرضا عربية محتلة، والمقاومة فيها واجبة طبقا لقرارات الشرعية الدولية.

إننا أمام حرب بالوكالة واضحة وضوح العيان. تسعى الى إرباك المنطقة وجر الدول العربية لمواجهة غير مدروسة العواقب مع إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكة. فهل نحن جاهزون لذلك. السؤال موجه لأصحاب الحناجر القوية ليردوا عليه.

وفي النهاية.. أقول لحسن نصر الله : لقد أقدم زعيم تاريخي مصري كبير اسمه جمال عبد الناصر على الاعتذار علانية عندما أخطأ في حساباته عام 1967، وأعلن تنحيه عن المسؤولية بعد أن تحمل وحده نتائج كل ما جرى. فهل نسمع كلاما شبيها منك أيها السيد المحترم، أم أن السيد دائما فوق النقد، وعلى العبيد أن يسيروا خلفه وفقط.