بين أنيس صايغ وياسر عرفات

TT

لكل شعب عربي غير معتاد على الرأي الآخر بقرته المقدسة التي لا يجوز مسها أو التعرض لها. وكانت بقرة الفلسطيني المقدسة محمد امين الحسيني وحل محلها في جيلنا هذا ياسر عرفات. لم يجرؤ حتى رؤساء الدول العريقة على انتقاده او التعرض اليه. بيد ان فلسطينيا واحدا في منتهى الرقة شاء ان يقول «لا» لأبي عمار. اللاءات من مميزات الفلسطينيين التي اشتهروا بها. اعتادوا على قول «لا» أمام اي شيء وأي واحد الا ياسر عرفات. بيد ان هذا الفلسطيني الصغير الرقيق والمتواضع رفع اصبعه وقال لأبي عمار «لا». لا اسمح بدخول الفساد في منظمتي، وكانت مركز الابحاث الفلسطينية. وما ان سمع ياسر عرفات شخصا يقول له «لا» حتى جن جنونه فحول الصراع ضد اسرائيل الى صراع ضد انيس صايغ انتهى بتنحيه عن إدارة مركز الابحاث ووأد الموسوعة الفلسطينية في مهدها.

يروي انيس جوانب من هذا الصراع في مذكراته التي نشرتها له مؤخرا مؤسسة رياض الدميسي بعنوان «انيس صايغ عن انيس صايغ» وهذا عنوان فيه الكثير من الخلل. فالكاتب يكتب عن غيره اكثر مما يكتب عن نفسه كان الاولى به ان ينشر هذا العمل الموسوعي بعنوان «انيس صايغ يكتب عن كل من هو ليس انيس صايغ».

بالطبع سينتقد انصار ياسر عرفات كاتب المذكرات بقوله انه انما يهاجم شخصا ميتا وللاموات حرمتهم ولا يستطيعون الدفاع عن اسمهم. ربما يقولون، لماذا لم ينشر ذلك في زمن حياة ياسر عرفات؟ وهنا يأتي دوري كشاهد سماع ممن ورد اسمهم في المذكرات. فأقول ان هذا الرد مردود. فأنا شخصيا سمعت انيس صايغ يردد هذه التهم التي وجهها لياسر عرفات امامي وامام الآخرين قبل سنوات. ولا شك ان تصريحه بها زاد من مشاكله مع الرئيس الفلسطيني وسمم العلاقات بينهما.

وهذا ما يذكرني بخروشجوف بعد خطابه الذي فضح فيه ستالين. تلت ذلك مناقشة وردته قصاصة بدون توقيع تسأله هذا السؤال: «اين كنت اذن عندما جرت تلك الجرائم؟» قرأ خروشجوف السؤال. ثم قال من كتب هذه القصاصة المغفلة؟ لم يجبه احد. فقال: «كنت يا سيدي حيث انت الآن!».

ولكن انيس صايغ كان اشجع من خروشجوف ومن كاتب تلك القصاصة. ولكن تعال يا سيدي وفهّم حاج أحمد اغا كما يقول العراقيون. وأحمد اغا هنا، هو المواطن الفلسطيني.