من اليابان إلى لبنان

TT

ربنا منح الشعب الياباني نعمة كبيرة ألا وهي أن غوغائييهم قلة غير مؤثرة ليسوا مثل غوغائيينا الذين ملأوا الدور والجحور. لهذا السبب عاش اليابانيون في سلام وازدهار ونجاح لم ينقطع.

تخيلوا لو كان اعلاميونا وكتاب الرأي العرب لهم مثيل في اليابان يجرونهم الى الحروب، ويهللون للانتصارات الصغيرة، ويباركون إبادة مواطنيهم، كما يفعلون بنا اليوم. لحسن حظ اليابانيين انهم لا يتحدثون العربية ولا يشاهدون وسائل اعلامنا ولا يستضيفون وعاظنا ومحاضرينا ولا يستعينون بسياسيينا. انها بالفعل نعمة كبيرة. سدوا آذانهم للقلة المحرضة واختاروا تقديم العقلاء بينهم. اعترفوا بالهزيمة، وتفرغوا لإعادة البناء، وكسبوا المعركة على كل الأصعدة بدون طلقة رصاصة وبلا مظاهرات وحرق إعلام وافتعال معارك وبطولات ورقية وكلامية. هزموا الاميركيين في صناعاتهم، وغزوهم في عقر دارهم، وجاروهم في علومهم، وبنوا لأنفسهم حضورا محترما على الساحة الدولية.

كان بإمكان اليابانيين ان يؤسسوا منظمات تحريرية ويشنوا غارات يومية ويستنزفوا العدو لعقود طويلة لكنهم آثروا اعادة ترتيب اوضاع بلدهم حتى خرجت القوات الاميركية المحتلة وتفرغوا للبناء بدل البطولات العسكرية. قامت اليابان من الرماد وبنت نفسها من جديد، وصارت دولة مزدهرة محترمة، ولم يعرف شعبها أزمة او حربا.

تخيلوا لو أن اخواننا الغوغائيين العرب القابضين على مناصب رسمية وشعبية واعلامية كانوا هم ضمير ومرشد المجتمع الياباني الذي نكب بتدمير تام لمدينتيه هيروشيما ونجازاكي قبل سبعين سنة واجبر امبراطوره على التنازل عن قدسيته. لو كنا النموذج الذي يحتذى لما عاش اهل هذا البلد المدحور إلا عقودا من المآسي والمزايدات. واتذكر ان احدنا كتب ينقد تاريخ الخنوع الياباني غير مدرك لطبيعة التجربة التي ولدت من طوكيو وكيف صارت الى ما هي عليه اليوم. ايضا هؤلاء المتوترون لا يستطيعون ان يقدموا لنا نموذجا واحدا ناجحا في عالمنا حتى يقتدي به اهلنا او اهل اليابان.

السبب ليس لأن اليابانيين عديمو الاحساس يبتلعون الاهانات والهزائم بل لأنهم اكثر ثقة بانفسهم، واكثر صراحة مع بعضهم، واكثر واقعية مع مجتمعهم، واقل مزايدة بينهم.

لذا اقول كم انتم محظوظون يا أهل الشمس المشرقة بسبعين عاما ناجحة متفوقة حققت الانتصار الذي فشل فيه الجيش الامبراطوري بالعمل الجاد واقصاء الغوغائيين من صفوفها الثقافية والسياسية. احمدوا الله كل ليلة على انكم بعيدون عنا فكرا وجغرافيا نحن اهل الشمس المحرقة.

[email protected]