«غلطة الشاطر»

TT

إذا كان صحيحا ان «لكل سيف نبوة... ولكل جواد كبوة» فإن قرار الشيخ حسن نصر الله أسر الجنديين الاسرائيليين ـ في توقيت يبدو ان لبنان آخر من يستفيد منه ـ كبوة تندرج، من حيث تبعاتها الكارثية، في خانة «غلطة الشاطر».

لا يتمنى عاقل لحرب الاستنزاف القائمة بين «حزب الله» واسرائيل ان تنتهي بنكسة لـ«حزب الله» رغم انه تجاوز في تصرفاته ما كان يعلنه أخيرا من انه حزب مقاومة وردع لا حزب حرب مفتوحة.

وفي المقابل، لم يكن أي لبناني يتمنى أن يصبح «حزب الله» نفسه «واسطة» تطبيق القرار 1559 ... وان يكون دمار لبنان ثمنه.

من حيث التوقيت، يصعب تجاهل اتخاذ «حزب الله» قرار اسر الجنديين الاسرائيليين عشية انعقاد قمة الدول الثماني المخصصة، سلفا، لبحث القضية النووية الايرانية. وإذا كانت أزمة حرب «حزب الله» واسرائيل استأثرت باهتمام بارز من الدول الثماني الكبرى، فإن اتفاقها على ان الأزمة ناجمة «عن جهود القوى المتطرفة لزعزعة استقرار المنطقة» يؤكد إجماعها على اعتبار حرب الحزب والدولة من صنع تنظيم متطرف يصنف في هذه الدول الكبرى تحت خانة «الارهاب».

ورغم ان اسرائيل لا ينقصها درهم عطف من هذه الدول فإن سمة الارهاب الملصقة بـ«حزب الله» رفعت هذا العطف في عواصم الغرب الى مستوى شكر اسرائيل على ضربها للحزب «نيابة» عنها، ولو كان المتضرر الأساسي هو شعب لبنان واقتصاد لبنان وسيادة لبنان ـ التي كانت عزيزة جدا على قلبي واشنطن ولندن حين كانت استعادتُها تعني إخراجَ السوري من لبنان.

مع ذلك تصعب الاستهانة بالمغزيَين السياسي والاستراتيجي لإجماع الدول الثماني على «التأييد التام للحكومة اللبنانية لتؤكد سلطتها وسيادتها على كامل اراضيها»، وعلى تحديد هذه السيادة بـ«نشر الجيش اللبناني في كل انحاء البلاد، وخصوصا في الجنوب» وبـ«نزع سلاح الميليشيات»، فهذا التأكيد المحدد لـ«سيادة» لبنان يحول الاسرة الدولية الى «الفريق المؤثر» على طاولة الحوار الوطني اللبناني ـ التي اصبح استئناف اجتماعاتها ملحا ـ إن لم يحولها الى اداة تطبيق القرار 1559 في سيناريو قد يكون شبيها بسيناريو إخراج القوات السورية من لبنان.

وهنا تجوز الملاحظة: أما كان أسلم لـ«حزب الله»، وأوفر كثيرا للبنان، لو جاء تطبيق القرار 1559 بإرادة لبنانية ذاتية تحفظ ماء الوجه ـ المراق بغزارة في حر لبنان هذا الصيف ـ من ان يأتي بقرار دولي... وشرط اسرائيلي؟

«حزب الله» يعلم، من البداية، أن الحكومة اللبنانية أعجز من ان تملك السلطة أو القدرة على بسط نفوذها على الجنوب، فكم بالحري نزع سلاح الحزب. ولان هذا الواقع بات معروفا من عواصم القرار الدولي أخذت هذه العواصم على عاتقها تنفيذ القرار 1559 ولو اقتضى الامر نشر قوة دولية في جنوب لبنان يصل عديدها الى ثمانية آلاف جندي، كما اقترح رئيس الحكومة الايطالية، رومانو برودي، بعد التشاور مع رئيس الحكومة البريطانية توني بلير والامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان.

إذن نزع سلاح «حزب الله» ـ عوض التطوير النووي الايراني ـ أصبح «القضية الدولية» في قمة دول الثماني بعد أن غرق على طاولة الحوار اللبناني في بحر من التنظير حول «ميزان الرعب» بين «هبة» ايرانية ـ قيل انها 12 ألف صاروخ ـ وترسانة حربية متكاملة، برا وبحرا وجوا، لآلة عسكرية اسمها اسرائيل، لا تقصر الولايات المتحدة عن إمدادها بكل جديد ومبتكر وخارج عن المألوف لدى الجيوش الاخرى.

لو كان الحفاظ على «ميزان الرعب» مع اسرائيل هو فعلا المقصود من احتفاظ «حزب الله» بسلاحه لكان الحزب نفسه طرح صيغة تعاون دفاعي مع جيش دولته تعزز هذا الميزان وتحول الجيش اللبناني الى قوة ردع لا يستهان بها.

ولكن «حزب الله»، بحكم ارتباطاته الإقليمية، أحرص على «الاستقلال» عن الدولة اللبنانية من الاندماج بالدولة اللبنانية، وهذا الحرص بلغ، بعد خروج السوريين من لبنان، حد «مصادرة» دور الدولة وقرارها... فلم يكن مستغربا ان يتأكد استقلال الحزب على حساب استقلال لبنان بأكمله.

حتى اسبوع مضى كان الكل يعتبر «حزب الله» دولة ضمن الدولة اللبنانية. وبعد عملية «الوعد الصادق» انقلبت هذه المعادلة رأسا على عقب ليصبح لبنان نفسه دولة ـ او دويلة ـ ضمن دولة «حزب الله»... وقد يكون إرساء هذه المعادلة الجديدة للحكم في لبنان أحد الاهداف الجانبية لعملية «الوعد الصادق».