انفراد واشنطن أضعف دورها

TT

اتفق وزيرا خارجية سورية واسبانيا، فاروق الشرع وخوسيه بيكيه، على أن انفراد الولايات المتحدة الأميركية بالتعاطي مع عملية السلام في الشرق الأوسط، وعدم إفساح المجال أمام الآخرين للقيام بأدوار في تلك العملية، أضعف الدور الأميركي ذاته فيها، وجعل واشنطن تخفق في تحقيق نتائج مهمة لها، خاصة أنها مارست سياسة منحازة إلى اسرائيل.

وفيما رأى الوزير السوري أن ضخامة العملية السلمية تستدعي مساهمة كل جهد دولي من جميع القوى المهمة في العالم فيها، ولا سيما من قبل الاتحادين الأوروبي والروسي، أكد نظيره الأسباني خطأ انفراد الولايات المتحدة بلعب دور في تلك العملية التي انطلقت من مدريد عام 1990، على الرغم من أن إحدى النقاط الإيجابية لمؤتمر مدريد كانت تقضي بأن تلعب أوروبا دوراً أكبر في عملية السلام.

وما اتفق عليه الوزيران الشرع وبيكيه بهذا الصدد، يستدعي التوقف مجدداً، وبشكل محدد عند السياسة العامة الأميركية، سواء ما اتصل من هذه السياسة بمنطقة الشرق الأوسط أو ما اتصل منها بمناطق أخرى من العالم، كمنطقة البلقان على سبيل المثال لا الحصر وغيرها من المناطق، مثلما يستدعي التساؤل عن جدوى السياسة الأميركية حيال القضايا الدولية عموماً.

وإذا افترضنا ان هذه السياسة مبنية على اساس من حسن النيات لدى الإدارة الأميركية، فإن ما نشاهده ونلمسه من حصاد لهذه السياسة، يؤكد ان اعلان حسن النية لا يكفي، بل إنه يجب ان يقترن بالقدرة على إيجاد حلول عادلة للأزمات الدولية، والوقوف مواقف موضوعية ومنطقية تستند إلى ما هو حق واضح، تعطي الأمور حقها من التقييم، وتسمى هذه الأمور بمسمياتها الحقيقية، بعيداً عن كل أساليب اللف والدوران واللعب بالألفاظ ومجانبة الواقع.

ولدى الحديث عن الأوضاع في المنطقة العربية، وعن مواقف واشنطن حيالها، نجد أن من حق المرء أن يتساءل:

ـ هل بإمكان الولايات المتحدة الأميركية أن تتوصل إلى إيجاد حل عادل ودائم وشامل لمشكلة الشرق الأوسط، في ظل الترابط القائم بين المصالح الأميركية والإسرائيلية على جميع الصعد الاستراتيجية، العسكرية والاقتصادية والسياسية؟

والجواب للأسف، لا يمكن أن يكون سوى (لا) ما دامت تلك المصالح مترابطة وقائمة.

ـ هل بإمكان الولايات المتحدة الأميركية أن تتخذ مواقف حيادية ومتوازنة تجاه مختلف القضايا المطروحة بحيث تكون هذه المواقف منسجمة مع جميع المبادئ والقوانين والمواثيق والقرارات الدولية التي وافقت عليها الولايات المتحدة نفسها؟

والجواب، نعم بإمكانها ذلك، لكنها للأسف لا تقف هذه المواقف، وليس في الأفق ما يشير إلى أنها ستقف تلك المواقف، وما يثبت ذلك ويؤكده، التناقض في المواقف الأميركية، حيث يتناقض موقف الإدارة الأميركية مما يجري في منطقة البلقان مع موقفها مما يجري في منطقتنا العربية من جهة، وعدم عملها من جهة ثانية وفق ما يستدعيه أصلاً، اعترافها بالدور الذي يفترض أن تؤدية الأمم المتحدة باعتبارها جهة حيادية هدفها الأول والأخير إقامة الحق والعدل في العلاقات الدولية، والعمل على إنهاء النزاعات الدولية من خلال ضمان حقوق الجميع المشروعة، وبالتالي ما يستدعيه إقرارها السابق بالأسس التي تقوم عليها المنظمة الدولية، وما يترتب على ذلك من ضرورة الالتزام بمجمل المهمات الموكلة إلى هذه المنظمة الدولية، التي قامت أصلاً من أجل خدمة الحق والعدل في العالم.

فقد رأى الجميع كيف فرضت واشنطن على الأمم المتحدة اتخاذ قرار يقضي بإرسال قوات حفظ سلام إلى منطقة البلقان، وفي الوقت ذاته منعت الأمم المتحدة من اتخاذ قرار بإرسال قوات حفظ سلام إلى الأراضي العربية المحتلة لضمان سلامة المواطنين العرب هناك، إلى حين التوصل إلى السلام.

لا بل إن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ أن الولايات المتحدة الأميركية ذهبت في هذا الاتجاه إلى أبعد من ذلك بكثير، حين قررت منفردة استخدام القوات الأطلسية التي تهيمن على قيادتها، كبديل للقوات الدولية في حل بعض الأزمات الدولية مثل أزمة كوسوفو، مما يعني وبصورة عملية، إلغاء الدور المناط أصلاً بالأمم المتحدة، والمستند أصلاً للميثاق الذي قامت على أساسه المنظمة الدولية، وهذا من الناحية العملية يشكل إلغاء للمنظمة الدولية برمتها، ويجعل الولايات المتحدة الأميركية المتصرف بشؤون العالم، وهذا أمر لا يمكن ان يكون مقبولاً من هذا العالم الذي يتطلع أكثر فأكثر مع بداية هذا القرن الجديد، نحو تسييد منطق قوة الحق، بدلاً من منطق حق القوة.

ولا شك إطلاقاً بصحة ما أكده وزير الخارجية الاسباني في دمشق من أن انفراد الولايات المتحدة في التعاطي مع قضية الشرق الأوسط وعملية السلام فيها، كان خطأً كبيراً، ذلك أن ثمة كثيرين ممن يمكن أن يساهموا بفعالية في الجهود السلمية في المنطقة، على استعداد للإدلاء بدلوهم في هذا الشأن، ولديهم القدرة على ذلك إن أرادوا ذلك.

وإذا كانت واشنطن بتفردها في رعاية العملية السلمية، قد أخفقت في التوصل إلى حل لقضية الشرق الأوسط، مثلما أخفقت في فرض نظام القطب العالمي الوحيد الأوحد على الساحة السياسية الدولية، فإنه لا يعيبها أبداً ولا ينتقص من هيبتها الدولية، إن هي دعت الأقطاب الدولية الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين واليابان وكل من لديه القدرة والكفاءة، للمشاركة في حل ليس فقط قضايا المنطقة، بل جميع القضايا الدولية العالقة.

وإذا كانت خيبة الأمل وكما هو مألوف، أمراً مقيتاً ومحبطاً وغير مرغوب بل ومرفوضا، فإنها وخلافاً لهذا المنطق المألوف، يمكن أن تكون أمراً ايجابياً جداً، لا بل أمنية وطموحا وأملا للشعوب، حين تعمل الولايات المتحدة الأميركية على معالجة المسائل الدولية المطروحة انطلاقاً من القناعة بضرورة تمكين كل صاحب حق من الحصول على حقوقه، وليس من خلال حسابات خاصة تبحث عن تحقيق مصالح خاصة على حساب مصالح الآخرين، فالمنطق الانساني يفترض أن تتحقق مصالح الجميع من دون إلحاق الغبن أو الضرر بأحد.

فهل لدى الولايات المتحدة الأميركية، وعبر إدارة الرئيس بوش على وجه الخصوص، القدرة على جعلنا نصاب بخيبة الأمل الإيجابية تلك، عبر سياسة أميركية جديدة، تقدم لجميع شعوب العالم صورة جديدة للولايات المتحدة الأميركية ليس فيها شيء من ملامح الصورة التي رأيناها وما نزال منذ أكثر من نصف قرن حتى الآن؟

سؤال سيبقى مطروحاً إلى أن يقضي اللّه أمراً كان مفعولا.

فنحن ننتظر، وكل غدٍ لناظره لقريب.