...إن جازت لشارون «مأثرة »

TT

عادت واشنطن ـ والعود أحمد ـ الى ساحة الشرق الاوسط بعد مائة يوم من الغياب المحير والمثير للتأويلات العربية والاسرائيلية معا. وفي ضوء المواقف الاخيرة التي اطلقتها واشنطن، قد يكون الفلسطينيون والعرب مستعدين لأي جميل قد تحملنا إياه ادارة بوش بفعل هذه «العودة». ولكن الحقيقة تبقى، بعيدا عن أي مجاملات، ان الولايات المتحدة عادت الى الازمة الام في الشرق الاوسط مكرهة لا بطلة، وبضغط الاحداث في فلسطين أولا. شهر عسل الرئيس جورج بوش (الابن) مع الشأن الشرق اوسطي انقضى قبل ان تنقضي المائة يوم الاولى من عهده، وتحديدا بعد فشل وزير خارجيته كولن باول، في تسويق «الخطر» العراقي على انه الخطر الداهم على المنطقة في أول زيارة له ـ بصفته الرسمية الجديدة ـ الى عواصم الشرق الاوسط في فبراير (شباط) الماضي.

هل كان حنين الرئيس جورج بوش (الابن) الى ارجاع ساعة الشرق الاوسط الى توقيت جورج بوش (الاب) عامي 1990ـ 1991 رومانسيا أم ثأريا في خلفيته ـ وإن استوجب ذلك اعادة ترتيب اولويات واشنطن في المنطقة خلافا للمنطق والواقع ـ أم ان «تجاهل» عملية السلام في أيامه الاولى في البيت الابيض كان حصيلة رغبة شخصية ودفينة في الارتداد على كل «انجازات» السلف اللعوب، بيل كلينتون، من منطلق قناعاته الاخلاقية ـ الدينية المعروفة في واشنطن؟ كائنا ما كان الدافع الحقيقي لسياسة ادارة الظهر للنزاع العربي ـ الاسرائيلي آنذاك يصعب التصور ان ادارة بوش كان بامكانها التغاضي طويلا عن برميل البارود المزمن في الشرق الاوسط ولأكثر من سبب. فالتخلي عن «رعاية» السلام يعني،عمليا، التنازل عن موقع الزعامة الدولية الاولى في عصر ما بعد الحرب الباردة والافساح في المجال لتعاطٍ اوروبي أوسع مع الازمة الشرق اوسطية ـ مع ما قد يستتبع ذلك من مردود اقتصادي ـ و اخيرا، لا آخرا، تعريض المصالح الاميركية الواسعة في المنطقة الى مخاطر تجذّر ردة الفعل الاسلامية المتنامية حيال ما يعتبره الشارع سياسة «الغطرسة الاميركية ـ الصهيونية» في التعامل مع الحقوق الفلسطينية. الا ان تأكيد أحد مساعدي ادوارد ووكر لـ«الشرق الاوسط»، ان بيان وزارة الخارجية الاميركية في 17 ابريل (نيسان) ـ والذي طالب شارون بسحب قواته من بيت حانون في قطاع غزة ـ استوجبه، بين امور أخرى، حرص الادارة «على مصالحها ورعاياها» في المنطقة في ضوء تنامي المشاعر العدائية للولايات المتحدة فيه ما يوحي بأن العامل الاكثر الحاحا في اعادة تقييم واشنطن لاولوياتها في الشرق الاوسط، في هذا التقاطع الزمني على الاقل،هو التخوف على مصالح اميركا ورعاياها في الشرق الاوسط .

قد يكمن على هذا الصعيد بالذات الانجاز «الدولي» الابرز لزعيم اليمين الليكودي، ارييل شارون. فسياسة القمع الدموي للانتفاضة والبطش العشوائي بالفلسطينيين، لم يدفعا الفصائل الفلسطينية الى تجاوز خلافاتها العقائدية والالتفاف حول موقف موحد من نهجه العدواني فحسب، بل اديا ايضا الى ازدياد تعاطف الشارع الاسلامي مع الفصائل الموسومة بالاصولية، داخل فلسطين وخارجها.

ربما كانت الابعاد الشرق اوسطية لهذا التطور بالذات دافع «تخوف»البيت الابيض على المصالح والرعايا الاميركيين في المنطقة واستطرادا نقطة التحول في موقف ادارة جورج بوش من النزاع العربي ـ الفلسطيني.