ذعر الإيدز في أفريقيا: 25 مليونا مهددون بالموت

TT

عندما يقرأ المرء الإحصائيات الخاصة بوباء نقص المناعة المكتسبة (ايدز) في افريقيا يصاب بالذهول، إذ تبدو هذه الإحصائيات أقرب إلى عدم التصديق. فعدد الأشخاص المصابين بالفيروس المسبب لمرض الإيدز في مختلف بلدان القارة الأفريقية يزيد الآن على 25 مليونا، وتوفي العام الماضي 2.4 مليون شخص في القارة بسبب المرض، ويتوقع ان يودي المرض بحياة حوالي نصف الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة. وطبقا لنفس الإحصائيات، فان ما يزيد على نسبة 35 بالمائة من الراشدين في بوتسوانا مصابون بفيروس الإيدز. ويلاحظ الآن ان قرى عدد من البلدان الأفريقية لم يبق فيها سوى الصغار وكبار السن بعد ان أفنى مرض الإيدز من تقع أعمارهم بين هاتين الفئتين.

ما العمل؟

لقد تركز الاهتمام في الآونة الأخيرة على الجهود المبذولة للضغط على شركات الأدوية العالمية باتخاذ الخطوات اللازمة لخفض أسعار الأدوية المضادة للفيروسات حتى يتمكن المصابون بفيروس الإيدز في عدد من دول القارة الأفريقية من تلقي العلاج المقرر. أي محاولة في اتجاه رفع المعاناة عن المصابين بمرض الإيدز في بلدان القارة الأفريقية يجب ان يجد الاهتمام والدعم المطلوبين، غير ان خبراء مرض الإيدز في القارة يشعرون بالقلق بسبب ان كل التركيز الراهن على شركات الأدوية وتوفير الأدوية للمصابين يصرف الاهتمام عن القضية الأساسية وهي وقف انتشار المرض. ويرى الخبراء الأفارقة ان الأدوية وتركيباتها التي يدور الكثير من الجدل بشأنها في الوقت الراهن لن تمكن الدول الأفريقية التي ترتفع فيها نسبة المصابين بفيروس الإيدز من علاج هذه المشكلة الرئيسية. وهناك اعتقاد راسخ لدى هؤلاء الخبراء بأن المكافحة الحقيقية لهذا المرض لا بد ان تأتي من خلال التعليم وإجراءات الصحة الوقائية وإيجاد مستويات معيشة أفضل. هناك من يخشى كذلك من انصراف مؤتمر الأمم المتحدة للايدز المقرر عقده في يونيو (حزيران) إلى الجدل حول الأدوية في الوقت الذي يكمن فيه الحل في الوقاية وبناء مجتمعات أفضل.

ما هي فائدة دواء لمكافحة الفيروس ثمنه 300 دولار بالنسبة لقروي غاني في وقت لا يزيد فيه دخل الفرد في العام على 350 دولاراً؟ ولعل السؤال الأكثر أهمية هو: كيف سيجري توزيع الدواء بصورة فاعلة؟

سلط الضوء على هذا الجانب الدكتور جوزيف ديكوساس، مدير أحد البرامج التدريبية المخصصة لمكافحة مرض الإيدز بجنوب افريقيا. يرى ديكوساس ان لكل الدول الأفريقية جهات حكومية مركزية لاستيراد وتوزيع الدواء غالبيتها ناقصة أو فاسدة، كما يرى ديكوساس كذلك انه حتى في حال توفير هذه الأدوية مجانا لن يكون هناك نظام فاعل لتوزيعها. يجب بالتأكيد خفض أسعار الأدوية حتى إذا استفاد منها خمسون شخصا فقط. لن يسبب ذلك أي فرق في الأوضاع السائدة بل ربما يسبب تشويها لنظم الرعاية الصحية التي تعاني مسبقا من الكثير من الصعوبات في الدول الأفريقية وذلك بفرض تكنولوجيا جديدة في وقت لا يستطيعون فيه توزيع العلاج على مرضى السل الذي يكلف في الشهر دولارا واحدا فقط. ويرى بعض خبراء مرض الإيدز في القارة الأفريقية ان هذا الوباء ينتشر بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، لذا فان التركيز على حل واحد فقط مثل توفير أدوية مقاومة الفيروس للمصابين لا يحل المشكلة من أساسها.

ليس ثمة شك في ان المخيف في الأمر هو ان الكثير من الأفارقة اما غير مدركين لكيفية انتشار هذا الوباء أو انهم لا يصدقون انهم سيصابون بالمرض.

وثمة ملاحظة لافتة للنظر: ترى لماذا أصاب فيروس الإيدز 1.5 في المائة من البالغين في حوض السنغال، بينما تصل هذه النسبة في زيمبابوي إلى 25 بالمائة؟ يقول الدكتور ديكوساس ان الفرق بين الحالتين يكمن في ان السنغال يتوفر فيها مجتمع مدني قوي ومؤسسات اجتماعية ساهمت بمجموعة من الإجراءات في سبيل الحد من انتشار هذا الوباء. وتشتمل هذه الإجراءات على الحملات التي تشارك فيها مجموعات من النساء لتوعية نساء أخريات إلى جانب الجهود التي يبذلها سكان القرى في رعاية الأيتام الذين توفي ذووهم بسبب فيروس الإيدز بالإضافة إلى حملات للتوعية بمختلف اللهجات حول استخدام العازل. وفي غانا نجح مشروع بتمويل أميركي في رفع نسبة استخدام العازل إلى 80 بالمائة خلال فترة ستة أشهر فقط.

* خدمة «نيويورك تايمز ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»