لقد أصبح كل شيء تافها!

TT

فعلت روسيا برئيسها الاسبق ميخائيل غورباتشوف ما فعلته اميركا بريتشارد نيكسون والدولة الخارجة لتوها من ديكتاتورية الشيوعية السوفياتية، والدولة القائمة منذ تأسيسها على الدستورية والحريات، حاولتا تدمير الصورة التي بناها لنفسه كل من الرجلين اللذين فهما العالم الخارجي اكثر من اي مواطن من مواطنيهما، احترم العالم غورباتشوف وازدرته روسيا واعجب بريتشارد نيكسون ومزقته اميركا اربا. وخرج كل منهما من الرئاسة في غير موعد الخروج لكي يمضيا بقية العمر في تصحيح الصورة المشوهة.

وجد نيكسون في المجتمع «الديمقراطي» الأميركي الف عدو يؤبن نهايته المخزية في فضيحة دمرت كل من حوله، ووجد غورباتشوف في موسكو عدوا واحدا ظل يبعده الى الظل والنسيان طوال اقامته في الكرملين، ومثله استقال بوريس يلتسن قبل الاوان ليدخل بدوره الى النسيان الكبير. كما عادت اميركا الى نفسها لكي تعيد الاعتبار الى ريتشارد نيكسون، بدأت روسيا اعادة النظر في ما حققه وفعله ميخائيل غورباتشوف، الحالم الذي لم يستطع ان يجمع بين الشيوعية والديمقراطية والحريات فانهار كل شيء من حوله مرة واحدة.

الكتب التي تصدر في موسكو الآن عن مرحلة غورباتشوف تشبه الكتب التي صدرت في اميركا عن ريتشارد نيكسون، وكما عاش هذا ايامه الاخيرة ارملا وحيدا مع الكتب والتأليف، يعيش غورباتشوف وحيداً مع كتبه ويرأس حزباً صغيراً لا اهمية سياسية له. وعندما احتفل في مارس (اذار) الماضي ببلوغه السبعين، تذكرت روسيا رجلا كانت تحاول ان تنساه، اما الرجل المنسي تماما اليوم فهو بوريس يلتسن الذي خرج من الكرملين محاطاً بالفضائح والتهم والسخرية ليتقاعد في احدى ضواحي العاصمة، بعدما سلم الحكم الى رجل هو الآن في الثامنة والاربعين من العمر.

وتختلف صورة فلاديمير بوتين كل الاختلاف عن صورة يلتسن المهزوزة او عن صورة غورباتشوف التي تحمل شيئا من الطيبة والسذاجة، وبرغم فارق العمر، فأن الثلاثة ينتمون الى نشأة حزبية واحدة، مضافا اليها سنوات بوتين في الكي.جي.بي. في المانيا الشرقية التي كانت «جوهرة» المعسكر الشيوعي في عالم الاستخبارات. وفيما يغيب يلتسن خلف البرد والظلال يخرج غورباتشوف من جديد لكي يؤيد خلفه الحالي في الكرملين، وينفي آخر رئيس الاتحاد السوفياتي عن سيد الكرملين الحالي انه يحاول اقامة دولة بوليسية في روسيا.

«سنواتي الست مع غورباتشوف» هو عنوان الكتاب الذي وصفه مستشار الرئيس الاسبق ، اناتولي تشيرناييف، عن تلك الفترة المثيرة من نهايات الاتحاد السوفياتي، وهي مذكرات رجل يتحدث عن مسؤول اكثر صدقا ونبلا مما ينبغي، وبسبب ثقته بالناس اساء تقدير الاخطار المحيطة به، خصوصا خطر بوريس يلتسن، وبعدما وقع انقلاب القرم ضده العام 1991 ادرك ان نهايته السياسية اصبحت محتمة، وقد قال لمستشاره بعد فشل الانقلاب: «لقد اصبح كل شيء تافها يا اناتولي، وفظا وثانويا. تأمل وفكر جيدا فماذا تقول؟ تقول فليذهب كل شيء الى الجحيم لكن لمن اترك ذلك؟ انني متعب حقا».