رقيب متطوع

TT

أخطر ظاهرة فكرية في حياتنا كأمة، هي أن كثيراً من الكتاب العرب الذين ظهروا في العقدين الأخيرين، ينجزون عدداً قليلاً من المؤلفات، ثم يقضون بقية حياتهم في الدفاع عن هذه المؤلفات من التهم البشعة التي تلصق بها.

وبدون ذكر أسماء فإن القارئ يمكن ان يعثر على عشرات الأمثلة التي تثبت ان أي مفكر أو مبدع يحمل رؤية جديدة، يقضي في دحض التهم التي تمس شرفه ووطنيته ودينه، وقتاً أطول بكثير من الوقت الذي استهلكه في تأليف كتبه.

لقد أفرزت العقود الأخيرة قارئاً عربياً سيئ النية يقوم بدور الرقيب مجاناً.. والفارق بين الرقيب الرسمي الذي تعينه الحكومة والرقيب المتطوع الذي يعين نفسه حكماً على نيات الناس، هو أن الأول معلق فقط برصد مساحة الاختلاف بين آراء الكاتب ورأي السلطة.. أما الثاني فهو معلق برصد نيات الكاتب الداخلية، وهو ما قد يصل إلى الحكم على معتقداته الدينية ذاتها.

انها كارثة حقيقية من شأنها ان تقضي على النشاط العقلي الذي يجب ان يتحرر من أية سلطة حتى يمارس دوره المطلوب.. فالعقل اذا تم لجمه سيتحول من وسيلة للابتكار، إلى مجرد حافظة معلومات وأفكار.. وهو ما يؤدي في النهاية إلى موت العقل الذي يجب ان يستخدم ما هو متوفر لديه، لا أن يكون هو في خدمته.

العقل الذي يفقد القدرة على التفاعل الحر سيتحول إلى وعاء.. وفي الالتباس بين كلمتي الوعي والوعاء، تكمن مشكلة العقل العربي.