وكان انتقام ربنا أعظم!

TT

كان في أعماقي شيء ما، هذا الشيء هو أن رجلا قد أهان والدي منذ خمسين عاما. ذهبت أبحث عنه لكي أصفعه، وأعود إلى القاهرة. وطلبت من صديقي الدكتور كامل دياب صاحب جريدة «مصر اليوم» ابن الصحفي الكبير توفيق دياب، أن ابحث عن هذا الرجل في إحدى قرى محافظة البحيرة. واهتدينا إليها. وكان الطريق صعبا. فكان لا بد أن أسير في طرق ضيقة وان اعبر إحدى الترع فوق أنبوبة رفيعة. وخلعت حذائي لكي أعطي لقدمي فرصة التوازن على هذه الأنبوبة. وكدت أقع في الماء. ولكن الذي في داخلي أقوى. سألنا.. قالوا: هذا بيته.

وتذكرت هذا الرجل.. لقد كان شابا نحيفا شاحب الوجه، وادعى كاذبا أن والدي أساء معاملته. وكان والدي طيبا مؤمنا، متصوفا زاهدا في الذي في أيدي الناس، ولكن هذا الرجل اللص شكا والدي واستدعوه ليلا. وكانت ليلة سوداء ـ لا نمت فيها ولا أمي ولا إخوتي. فنحن لا نعرف معنى الاستدعاء أو التحقيق، فقد ظننا أن والدنا ادخلوه السجن، ومع الفجر جاء الوالد ونام من الإرهاق النفسي، ونحن لم ننم، وبقيت هذه الحادثة الأليمة في مكان ما من نفسي. والرغبة في الانتقام منه لا تبعد كثيرا عن مكان الألم الذي لم يخمد نصف قرن، ودخلنا على الرجل. وقد تكوم في جانب من السرير، فقد صار ربع نفسه، رفع جسده ونظره وسمعه، وابتلعت ريقي.

وعدت راضيا فقد انتقم لي الله من ظالم لعين!

وتذكرت أنني كنت أتناول الغداء في بيت السفير الأمريكي فرانك وزنر على شرف حرم الرئيس كارتر، وكانت هناك السيدة جيهان السادات. وقفت أتحدث إليها عندما اعترضت على حديث السيد محمد إبراهيم كامل وزير الخارجية، الذي استقال في كامب دافيد اعتراضا على اتفاقية السلام. وكان ذلك دليلا على سوء تقديره وقصر نظره وسذاجته السياسية. وقبل السادات استقالته واستغل هذه الحادثة للضغط على مناحم بيجين، مؤكدا له أن الاتفاق مع إسرائيل يلقى اعتراضا حتى من مستشاريه!

ثم أصدر إبراهيم كامل كتابا هاجم فيه الرئيس السادات. وقد ساعده في هذا الكتاب الدكتور احمد ماهر مدير مكتبه ووزير الخارجية الأسبق. واقترب من السيدة جيهان السادات وقال لها: طبعا يا هانم حضرتك زعلانة مني، فقالت: ليه؟ قال: لأنني هاجمت الرئيس السادات، فقالت: ما دمت مقتنعا برأيك فلماذا تعتذر، الرئيس السادات زعيم يختلف الناس ويتفقون عليه، وليس كل مؤهلاته انه زوجي! وكانت لهجة جيهان السادات حادة قاطعة كأنها رصاصات لا تطلق نارا ولا دخانا. سألتها: يا هانم لهجتك هادئة معه، فقالت: وهل أفعل به أكثر مما فعله ربنا.

فقد كان مريضا عاجزا عن الحركة شاحبا، وبعدها توفي إلى رحمة الله. وأنا لم أهاجمه قط دفاعا عن الرئيس السادات لأنه قريبي!