أوان الاعتذار

TT

هذا موسم الاعتذار. السود يطالبون الولايات المتحدة بالاعتذار عن الرق. الجزائر تطالب فرنسا بالاعتذار عن استعمارها. اليهود يطالبون الجميع بالاعتذار عن اضطهادهم. الصين تطالب اليابان بالاعتذار عن اغتصاب نسائها بالجملة. أفريقيا تطالب الدول الاستعمارية بالاعتذار عن استغلالها.

بيد انني اعتقد ان الاعتذار الاول والأهم هو ان على الدول الاستعمارية واجب الاعتذار لشعوب المستعمرات عن اعطائهم الاستقلال قبل الأوان. فمعظم ما جرى ويجري من المصائب هناك نتج عن حصول هذه الدول على استقلالها قبل ان تكون مؤهلة له.

هناك ذنبان تتحمل اثمهما الامبريالية. اولهما هو انها على الغالب لم تستثمر فترة حكمها للمستعمرات في تطوير سكانها وإعدادهم لحكم انفسهم. ثانيهما إعطاء الاستقلال لهم حالما أزعجوها بالثورات والمقاومة والمطالبة بالاستقلال. خير مثال على ما اقول الدول التي كانت خاضعة للانتداب. فهذا النظام في رأيي كان اعظم وأنبل فكرة تفتق عنها ذهن الانسان طوال تاريخه السياسي.

ربما لا يفوقها شرفا غير فكرة الديمقراطية. يلقي نظام الانتداب والوصاية المسؤولية على الدول المتطورة والمتقدمة في رعاية وتطوير الشعوب المتخلفة وإعدادها لحكم أنفسها حكما عقلانيا متطورا ومتحضرا وكفوءا. انه لا يختلف في شيء عن فرض الوصاية الشرعية على شخص سفيه او مجنون او متخلف عقليا.

هذه هي الفكرة. بيد ان القوى المنتدبة حالما ادركت ان هذه المهمة اصبحت تكلفها اكثر مما تجني منها والشعب المعني لا يريد منها هذه الخدمة ويطالبها بالرحيل ويسبب لها الكثير من الازعاج ووجع الرأس، بادرت الى التخلي عن المسؤولية وتسليم البلاد لمن لم يستعدوا تماما للحكم.

على هذه الدول الاستعمارية الآن، مهمة الركوع على ركبتيها لتعتذر لكل مستعمرات الامس وشعوبها عن اعطائهم الاستقلال والاعتراف بسيادة بلادهم والجلوس ندا بند بجانب قادتهم.

على الاستعمار الاعتذار لذلك العراقي الذي بعثوه لمعالجة ظهره المهشم بأحد الانفجارات. رأى العلم البريطاني فوق مطار هيثرو فاغرورقت عيناه بالدموع وتمتم قائلا «أوف .. استعمار ظالم! ليش تروح وتخلينا؟».