هل يتمرد الشارع العربي على الظواهر الصوتية الحمقاء؟

TT

منذ نشوب الحرب اللبنانية جندت حفنة من القنوات الفضائية كل بياعي الكلام المجاني لتصنيف مواقف الدول من الحرب، ولم تعدم العثور على بعض المنظرين الجاهزين الذين قاموا بتوزيع التهم بالجملة والقطاعي، ونالت السعودية حصتها المعتادة من حقد قناة «الجزيرة» وكتيبة حكواتية الشاشات.. وها هي السعودية تؤكد اليوم أن نصرة لبنان الحقيقية لا تتحقق من خلال مزادات الكلام، فتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بتخصيص منحة 500 مليون دولار للشعب اللبناني لتكون نواة صندوق عربي دولي لإعمار لبنان، وكذلك إيداع وديعة بمليار دولار في المصرف اللبناني المركزي دعما لاقتصاد لبنان يعكس مكان ومكانة لبنان في وجدان السعوديين، ويزيد من حرج الأصوات النشاز التي تراهن على الكلام.. هذا الدعم المادي السعودي للبنان اقترن بدعم دبلوماسي عقلاني لعبته السعودية ولا تزال دعما للبنان في الساحة الدولية لوقف الحرب وإنهاء القتال..

فلقد كانت السعودية مدركة منذ اللحظة الأولى أن نصرة لبنان الحقيقية ليست بدق طبول الحرب الكلامية كما حرص البعض أن يفعل، وإنما في محاولة تجنيب لبنان ويلاته، فالصراع بين لبنان وإسرائيل ـ كما وصفه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد «ينذر بعاصفة صراع واسع في الشرق الأوسط»، وبالتالي فإن من واجب العقلاء في العالم العربي محاولة وقف الكارثة، وهذا ما فعلته وتفعله السعودية منذ البدء، وهي التي حذرت من أنه إذا سقط خيار السلام نتيجة غطرسة إسرائيل فلن يبقى سوى خيار الحرب، وعندها لا يعلم إلا الله ما ستشهده المنطقة من حروب ونزاعات لن يسلم من شرها أحد بمن فيهم أولئك الذين تدفعهم قوتهم العسكرية الآن إلى اللعب بالنار.

وفي تقديري أن الشارع العربي الذي خدع طويلا بأصحاب الشعارات الجوفاء ومقاتلي المايكروفونات قد أنضجته الخيبات المتكررة، أو فلنقل إن شريحة كبيرة منه صقلته تجارب الماضي، فلم تعد تحكمه حالات الاستهواء ولا تقوده بوصلة الغوغاء، لذا فإن العقلاء يتطلعون اليوم إلى رؤية عربية شعبية أكثر نضجا في تقويم مواقف الدول خلال الأزمة اللبنانية على ضوء ما يفعل لا ما يقال.. فهل يعلن الشارع العربي تمرده على تلك الظواهر الصوتية الحمقاء؟

[email protected]