تأملات السويس

TT

23 يوليو و26 يوليو، يومان في تاريخ كل عربي، شاء أم أبى. قبل أو رفض. و26 يوليو 1956 كان أكثر أهمية وتأثيرا. لقد أدى تأميم قناة السويس إلى يقظة كبرى في أنحاء آسيا وأفريقيا. وخرج الناس من الغابات السحيقة يطالبون بحريتهم وحقوقهم وأراضيهم. وخسرت مصر الحرب العسكرية في العدوان الثلاثي، لكنها ربحت حرب التحرير وحروب الشعوب المستعبدة واستعادت ثروات القناة. وتدخلت الدولتان الكبريان لترد عنها المزيد من التدمير: أميركا والاتحاد السوفياتي. واضطر دوايت ايزنهاور إلى توجيه تحذير أخير، لكبار حلفاء أميركا؛ فرنسا، بريطانيا، وإسرائيل، دفاعا عن دولة تخاصم واشنطن وترفضها.

لقد مضى الآن خمسون عاما على السويس. أي، دهر إلا قليلا. وأدى تحرير السويس إلى استقلال الجزائر وعدن. وتنفس طالبو الاستقلال في أفريقيا وآسيا. وبدت حركة التحرر العالمي كأنها في مهرجان، من اندونيسيا إلى الملايو. لقد انتهت الحقبة الاستعمارية ودفن عصر الوصاية، وألغى جمال عبد الناصر في مصر عارا كان يدعى «الامتيازات». وهي حق الأوروبيين في أن يحاكموا على ارض مصر أمام محاكم أوروبية وفي ظل قانون أوروبي.

ما الذي حدث بعد ذلك؟ لماذا انتهى المهرجان؟ لماذا سقطت آسيا وأفريقيا في الفساد والديكتاتوريات وقطع آذان السجناء؟ لماذا صادر جوزف موبوتو (اوسيسي سيكو) رواتب رجال الشرطة وتركهم يحصلونها من الناس والفقراء ومعلمي المدارس؟ لماذا تحول أبطال الحرية وسجناء الاستعمار، إلى أدوات تنكيل مرعبة في أهلهم ورفاقهم؟ لماذا أشعلت أفريقيا حروب الماس والمناجم على أيدي زعماء يقطعون الأيدي ويقلعون العيون ويطعمون خصومهم في القصر الجمهوري للكلاب الجائعة؟

إذا كانت السويس قبل 50 عاما، هي بداية اليقظة الكبرى، ومهرجان الحرية الكبير، وزوال العصر الاستعماري، فماذا حدث؟ إذا كانت مصر الناصرية هي التي أنهت 300 سنة كاملة من الاستعمار البريطاني للكرة، فماذا حدث فيما بعد؟ لماذا انزلقت مصر الناصرية إلى الفقر ثم العزلة، واستطاعت بريطانيا المهزومة البقاء في مصاف الدول الكبرى؟ هل الاستعمار نفسه هو الذي عاد فتسلل ليخرب كل شيء؟ أم هو ما سماه ميخائيل نعيمة «الاستعمار الداخلي»؟

إلى اللقاء