اذا كانت صواريخ حزب الله مفاجأة، وهي ضمن ترسانة معروفة، فكيف نسمي ما كشف عن تجهيزات المفاعل النووي الباكستاني، الذي صار بإمكانه انتاج خمسين قنبلة نووية في عام واحد؟ النبأ صدر عن تقديرات عمل المفاعل الباكستاني الثاني. فهل نحن بصدد المزيد من المفاجآت المدمرة في المنطقة؟
لا يمكن لأي مراقب محايد إلا ان يقول ان باكستان دوما اثبتت انها متعقلة، حتى في احلك الأزمات، ورغم تغير انظمتها وقياداتها وانقلاباتها، فقد اثبتت في كل مراحل الصراع الماضية مع خصمها اللدود الهند، ومع جيرانها الآخرين، انها لم تسع الى استخدام كامل قوتها. وكانت اكثر حرصا على تحجيم كل معركة تنشب، فلا تتجاوزها الى حرب شاملة. وهي ليست من صفات أنظمة مثل ايران او عراق صدام، وهما نظامان تورطا في حروب مدمرة وتعبئة دعائية ثورية وتهديدية.
لكن حتى في ظل سياسة متزنة، فإن تسلح باكستان يفتح الباب على مصراعيه لجر بقية دول المنطقة الى حفلة تنافس لانتاج الصواريخ والقنابل النووية، التي لا بد ان يأتي يوم، بسبب مناخ النزاع المستعر، لتستخدم وتكون حينها الكارثة.
أيضا، لا يمكن ان نرفض لايران حقها في ان تنتج قنبلة واحدة، في وقت تتجرأ جارتها باكستان على انتاج خمسين قنبلة نووية في سنة واحدة ومثلها الهند. سياسة لا يمكن تبريرها في ظل التسابق المحموم والتوتر اللذين يتصاعدان بين دول المنطقة.
وكنا نتمنى ان تنفق باكستان اموالها، خاصة انها دولة فقيرة، على التنمية لا التسلح، وها نحن نرى موافقة الكونجرس الاميركي ايضا على بيعها مقاتلات حربية F-15 بأكثر من سبعمائة مليون دولار، وقبلها وافقت الصين على بناء ستة مفاعلات نووية، نرجو ان تكون بالفعل لتوليد الطاقة الكهربائية. ومن هنا السؤال الى اين تذهب الدول الكبيرة في منطقة تعاني من بطالة كبيرة وتوترات سياسية خطيرة؟ واذا كان هناك تسابق يفترض تشجيعه من الدول الكبرى فهو في تحسين اداء هذه الحكومات وترشيد اموالها في مجالات التطوير الاداري والتعليمي والصحي، التي لا تزال وراء التخلف الذي يفرز المناخات العدوانية المحلية والدولية.
وقد يرى الاستراتيجيون ان مساندة دول مركزية بامكانيات قتالية كبيرة ضرورة لتوازنات المنطقة، خاصة بتشابك المناطق الجغرافية، مثل جنوب آسيا، كما هو حال الهند وباكستان، مع الشرق الأوسط حيث ايران، وربما ابعد من ذلك الى شرق آسيا. والسؤال هل التوازن العسكري سيؤدي بالفعل الى الردع المطلوب؟ أم انه يوسع دائرة التفجير؟ قطعا لا أرى امكانية تحقيق توازن يؤدي الى سلام لأن دول المنطقة ليست ناضجة الى درجة الامتناع عن المغامرات المدمرة، بل عكس ذلك تماما.