سقوط نظرية المدن الحصينة

TT

مهما تكن أسباب الحرب اللبنانية بين «حزب الله» وإسرائيل، سواء أخذنا بوجهة نظر «حزب الله» التي ترى أن العدوان الإسرائيلي على لبنان كان مبيتا من قبل وأن المسألة لم تختلف إلا في التوقيت فقط، أو وجهة النظر الإسرائيلية التي تعلق أسباب الحرب بخطف الجنديين.. مهما كانت الأسباب فإن ما تفعله إسرائيل وهي تفرط في استخدام القوة، وفي النيل من المدنيين، وتدمير البنية التحتية اللبنانية يتسق مع سلوكها العدواني ونزعتها التسلطية.

وهذه الحرب رغم فداحة أثمانها، ورغم عدم التكافؤ كونها تحدث بين حزب ودولة فإنها قد خدشت صورة القوة العسكرية الإسرائيلية التي لا تقهر، إذ استطاعت صواريخ «حزب الله» أن تسقط نظرية حصانة المدن الإسرائيلية، وتلغي أوهام أمنها، وكان ضروريا أن تدرك إسرائيل أن أية حرب متسعة قادمة ستختلف كثيرا عن حروبها السابقة، وأن خسائرها ستكون كبيرة ومؤلمة مهما كانت نتائج الحرب وتباينات القوة.

وربما كانت إسرائيل في حاجة إلى كابوس صواريخ «حزب الله» كي تدرك أن سلاما عادلا مع العرب ضرورة ملحة لاستمرار وجودها وأمنها، فمن تغرير الذات أن تراهن إسرائيل على قوتها لضمان أمنها، فأمن إسرائيل الحقيقي لا يكفله سوى سلام عادل يمكنها من أن تعيش مع جيرانها في أمان. في الحروب الحديثة لا يوجد منتصر، فالكل سيتقاسم الخسائر، وهذه المنطقة التي سادتها على مدى عقود حمى التسلح ستجعل من أية حرب قادمة كارثة حقيقية لكل الأطراف، ولن ينجو من أتونها أحد.. وهذه الحقيقة وعتها الحكومات العربية جيدا، وظلت رغم ضغط شعوبها تحاول السيطرة على النفس في مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية، لكن لا أحد يمكن أن يراهن على مدى اتساع الصبر إن ظلت إسرائيل تواصل السير في درب اللامبالاة مستهترة بكل قيم الإنسانية وأعرافها، فقد تجد هذه الدول نفسها في مواجهة حقيقية مع شعوبها، وبالتالي تصبح الحرب رغم كل حجم مخاطرها آخر الدواء. في إسرائيل قيادة سياسية عسكرية مغامرة لم تستطع أن تتخلص من نشوة انتصاراتها السريعة السابقة، ولا أمل في أن تستعيد واقعيتها إلا إن تعالت أصوات المجتمع المدني الإسرائيلي الذي أنزلته صواريخ «الكاتيوشا» إلى الخنادق للضغط على قيادته لترجيح خيار السلام.. ويبقى مستقبل المنطقة مفتوحا لكل الاحتمالات.

[email protected]