تأملات السويس تقليد وإلغاء

TT

حاول البعض من الثوار الجدد تقليد عبد الناصر، من دون أن يكون خلفهم شيء اسمه مصر، وحاول البعض الآخر كالبعثيين إلغاءه وإلغاء الناصرية لكي يحلوا مكانها. لكن الجميع لجأوا إلى أسلوبه في الحكم: إلغاء الأحزاب وإلغاء البرلمان وإلغاء الطبقة الوسطى، وإلغاء مناهج التعليم، ومحو دروس التاريخ. وكانت الموجة القومية المتحمسة لفلسطين، مستعدة لقبول أي شيء. وكانت تفضل القليل من الحقيقة مع القليل من الأمل، على الكثير من الحقيقة مع الكثير من اليأس. و«يا ديرتي ما لك عليا لوم، لومك على من خان»، كما غنت سهام رفقي.

زالت الدولة السابقة بكل مؤسساتها، ولم يقم بديل. كان نوري السعيد الكردي التركي المتعاون مع الإنكليز يسكن في شقة متواضعة أمامها حارس واحد. وجاء صدام حسين الثائر وبنى 48 قصرا. وباسم حزب البعث سلم الدولة لأخويه وأبناء عمه. وامتلأ العالم العربي مؤسسات شكلية لها أسماء مثل إعلانات الصابون. ومع كل خطاب عن الحرية ارتفعت عشرة سجون. وأصبحت الشعوب تشير إلى السجون بكل طاعة على أنها معالم حضارية بارزة. وبنيت السجون المخيفة في أماكن يمكن للجميع أن يروها وان يرتعدوا من رؤيتها. وعندما وقف صدام حسين بعد احتلال الكويت يطالب «بتوزيع الثروة» كان يجلس بكل هدوء، فوق إحدى أهم الثروات الوطنية والشخصية في التاريخ.

لو استمر صدام حسين عشر سنوات أخرى في بناء العراق، لكانت لديه دولة في دخل إسبانيا القومي ونهضتها. لكنه أراد أن يكون عبد الناصر آخر. خلال حرب إيران ذهب عبد العزيز البابطين يزوره في مكتبه. وفجأة دوى صوت انفجار هائل، لكن الرئيس العراقي ظل هادئا في مقعده لا يتحرك. وبعد قليل قال لضيفه: «أبو سعود، هسه لو عبد الناصر سمع هالانفجار، كان بقي جالس تشيدي»؟

عندما توحدت الألمانيتان، صرفت ألمانيا الغربية ألف مليار مارك، لاستيعاب ألمانيا الشرقية. كانت ألمانيا الدولة المستقرة، رابع قوة اقتصادية في العالم، وألمانيا الشرقية القائمة على حكم «الستاسي» باسم الثورة، تعيش على المعونات، ولا تزال كوريا الشمالية ترفع علم الثورة والصواريخ النووية بينما تستعد كوريا الجنوبية لمنافسة اليابان.

إلى اللقاء