جورج دبليو بوش يصلي!

TT

من أطرف الأخبار التي قرأتها ذات مرة في واحدة من صحف الصباح الخبر الذي يفيد بأن جورج دبليو بوش يكثف صلاته، وأنه يصلي طيلة الوقت من أجل جنوده طالبا لهم النصر (؟!)، وأنه دائما يهرع للصلاة في الشدائد ويستمد منها القوة...إلخ. وقد ضحكت وأنا أهز رأسي تعجبا، رغم أن الخبر لم يكن مكتوبا بصيغة ساخرة، بل الحقيقة أن الصيغة الجادة التي نقلت إلينا هذا الكلام على لسان جنكيز خان بوش العصر والأوان، هي التي أضحكتني وتذكرت على الفور كلمات للمسرحي الإنجليزي وليام شكسبير (المولود في أبريل 1564 والمتوفي في أبريل 1616) جاءت على لسان الملك «كلوديوس» في مسرحية «هاملت». هذا الملك (كلوديوس) قاتل وداعر وفاسد ومن جرائمه العديدة قتله أخاه الملك هاملت (والد الأمير هاملت ) والزواج من الملكة أرملة أخيه، واغتصابه العرش من وريثه الشرعي الأمير هاملت. ولكي يحافظ على مكاسب جرائمه ملأ القصر الملكي بحاشية فاسدة تتولى مهام قذرة من تجسس ومراقبة وخطط لاغتيال الأمير هاملت. هذا الملك الفاسد خطر له أن يصلي، متصورا أنه يمكن أن يستحوذ على كل شيء : الدنيا والآخرة. وفعلا أخذ نفسه إلى «حالة» الصلاة وأخذ يبتهل إلى جسده أن يخشع قائلا، بما أترجمه عن النص الإنجليزي على مسؤوليتي: «انحنيا يا ركبتي العنيدتين، وأنت أيها القلب، بشرايين من حديد، كن طريا، مثل عضلات طفل وليد».

لكن لا أمل أمام السفاح «كلوديوس» المعترف بجرائمه، وقد عددها قائلا: «إن جريمتي منتنة، تصل رائحتها إلى السماء،...لا يمكنني الصلاة، رغم أن رغبتي فيها معها إصراري، إن إثمي الكبير يهزم إصراري،.. لقد ازدادت يدي سمكا، بدماء أخي، هل هناك في رحمة السماوات، الماء الكافي لغسل يدي، وتكون بيضاء كالثلج؟ ما هي وظيفة الرحمة، إن لم تكن لمواجهة الذنب؟.. لكن أي شكل من الصلاة أقول؟ هل أقول: اغفر لي يا ربي، جريمة قتلي البشعة؟ هذا لا يمكن، طالما أنني لا أزال أمتلك الغنائم التي من أجلها ارتكبت جريمتي..، هل يمكن أن يغفر لي، مع استبقائي لغنائم جريمتي؟ هذا ممكن في مجريات هذا العالم الفاسد، فمن الممكن ليد الجريمة الثرية أن تزيح العدالة جانبا، وغالبا ما نرى الرشوة الوغدة، تشتري القانون، ولكن الأمر ليس هكذا في السماء، فليس فيها أي إمكانية للتلاعب!..، آه يا نفسي الملعونة، آه يا صدري الأسود كالموت، آه يا روحي الواقعة في الفخ، تصارع من أجل الفكاك، فتزداد قيودها، النجدة، يا ملائكة».

بنهاية هذه المحاولة الميئوس منها، للصلاة، يعترف المجرم القاتل كلوديوس بالفشل مرددا هذه الحكمة:

«كلماتي تطير، وأفكاري تظل هابطة. كلمات بلا نية معقودة، على التوبة، لا يمكن أن تقبلها السماء»!

***

لقد صار العالم أمامي المرادف للقصر الملكي في مسرحية هاملت، وها هو كلوديوس/ بوش، وأعوانه بولونيوس/ رامسفيلد، وجولد نستين/ جون بولتون، وروزنكرانتس/ كونداليزا رايس، يديرون معركتهم الماكرة للتخلص من «هاملت»: رمز المقاومة النبيلة ضد الفساد والبغي والجبروت، لكن مهما ركب هذا الطغيان أعلى ما في ترسانته العسكرية وقاتلاته الجبارة فإنه إلى هلاك وكساد.

وقد قالها وليم شكسبير لكل هؤلاء القتلة منذ أربعة قرون: «سوف تنالون الخزي بانتصاراتكم الشريرة»!