هل هو الشرق الأوسط الجديد أم أميركا الجديدة؟

TT

قالت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية أخيرا إن «وقف إطلاق النار سيكون وعدا زائفا إذا أعادنا ذلك إلى ما كان الوضع عليه... هذا شرق أوسط مختلف، إنه شرق أوسط جديد. إنه وقت عصيب نمر به حاليا. إنه وقت عنيف جدا».

أظن أن هذه الكلمات لا تظهر سوى قمة جبل الجليد. وما أعنيه هو أن رايس كشفت لنا عن مرحلة جديدة تخص منطقتنا.

كذلك استخدمت تفسيرا غريبا للحرب: «ما نراه هنا هو مجرد أوجاع الولادة لشرق أوسط جديد ومهما فعلنا فيجب أن نكون واثقين من أننا ندفع إلى الأمام بشرق أوسط جديد لا العودة إلى القديم».

استرجعتُ أثناء تفكيري بتعبير: «الشرق الأوسط الجديد» مفهومين، الأول حينما ناقش هنري كيسنجر موضوع السلام ما بين مصر وإسرائيل، حيث كتب: «أنا أعطيت المسودة إلى السادات، وهي تتضمن اقتراحات حول عملية السلام وبناء العلاقة ما بين مصر واسرائيل. وأثناء قراءته قال السادات: أنا اتفق مع المسودة». أضاف كينسجر: «لم يكن أي اثر لابتسامة على وجهي لكنني في أعماق قلبي بقيت أضحك وأضحك».

وشرح السبب بين هذا التعارض: أن يكون جديا في الظاهر وأن يضحك في قلبه باطنيا: المسودة التي قدمها كيسنجر للسادات كتبها بالأساس مناحيم بيغين!

وكانت اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بداية لشرق أوسط جديد.

ثانيا، وبعد 15 عاما على مفاوضات السلام التي نظمتها الولايات المتحدة وقال عنها شيمعون بيريس بأن الولايات المتحدة هي المصمم الوحيد لعملية السلام، فإن بيريس في الواقع ناقش مفهوم الشرق الأوسط استنادا إلى نظرته هو بأن إسرائيل يجب أن تكون هي المركز السياسي والاقتصادي للشرق الأوسط الجديد. فمفهوم الشرق الأوسط الجديد يعني، إسرائيل والبقية، بما يشبه تعبير «الغرب والبقية» الذي استخدمه الراحل ادوارد سعيد في كتابه الرائع: الاستشراق.

والآن، وبعد ثلاثة عقود تناقش رايس مفهوم الشرق الأوسط الجديد. فما هو الفرق بين السلوكين؟ وما الذي تقدمه هذه النظرية بعد 3 عقود؟

بدون أي شك، تشكل عملية إسرائيل العسكرية في لبنان الخطوة الأساسية لتحقيق هذا الهدف، فمثلما قالت رايس، هذا القتل والتدمير والهروب الجماعي من المدن هو آلام المخاض، لكننا نتساءل من هي الأم؟ ومن هو الوليد؟ ومن هو الجرّاح؟ وهل ان الوليد سيأتي حيا؟ وكيف هي حالة أبويه؟ وهلم جرا...

كم هو مثير للأسف ألا تكون رايس قد جربت آلاما من هذا النوع لأنها تتكلم بهدوء ولامبالاة تامين حول هذا الموضوع. إنهن الأمهات وحدهن اللواتي يمكنهن فهم الألم والإحساس بفقدان أطفالهن. وهذا مفهوم آخر يدخل ضمن حقل الأخلاق. فالجميع يعرف أن الحرب شيء آخر، وأن الحديث عن القيم والأخلاق فيها ليس سوى قناع لتبرير جرائم الحرب.

أين كان الخطأ؟ ولماذا فشلت مخططات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ لماذا قال عمرو موسى إن مبادرة السلام قد ماتت؟

اعتقادي أنه من المستحيل حل هذه المشاكل. بل انني مقتنع تماما أننا قبل بناء شرق أوسط جديد بحاجة إلى أميركا جديدة. فأميركا التي نعرفها مختلفة تماما عن أميركا التي كانت في النصف الأول من القرن العشرين.

ففي البدء قامت أميركا على مبادئ الحرية والإيمان والحكمة. لكنها الآن تستند إلى القوة والغرور. نحن عرفنا أميركا من خلال كلمات توماس جفرسون: «الرب الذي منحنا الحياة منحنا في الوقت نفسه الحرية». للقوة منطق غريب، يرى الظواهر بشكل مشوه. حينما نمعن النظر في الهجوم الذي تشنه إسرائيل ضد لبنان حاليا نجد بعض العينات. تقول أميركا وإسرائيل إنهما تريدان تقوية التضامن مع لبنان لكن إسرائيل في الوقت نفسه تقوم بتدمير كل البنى التحتية، والمطارات والجسور والمصانع وغير ذلك. هذا التناقض هو الوجه الآخر لتناقض أعمق موجود في قلب السياسة الأميركية.

حينما تحدث جورج بوش في مؤتمر بطرسبرغ عن حرية التعبير في العراق أجابه بوتين بأنه لا يريد ديمقراطية من هذا النوع! لأننا نشهد كل يوم مقتل عدد كبير من العراقيين، فكيف يمكننا أن ندافع عن ديمقراطية من هذا النوع؟

وإسرائيل تدمر اليوم بلدا جميلا جدا وتدمر بناه التحتية بينما رايس تقول إنها آلام المخاض! هذا هو المهرجان وعيد ميلاد سعيد للبنان!

قال بوذا: لا تقتل بلبلا بالسكين نفسها التي تستخدمها لقتل بقرة؛ أنت تريد محاربة حزب الله، فلماذا تقتل الناس الأبرياء؟ هذا النوع من العمليات الجراحية يؤدي إلى مقتل الأم والوليد. والشرق الأوسط الجديد بحاجة إلى تشكل أميركا جديدة، قادرة على خلق عالم جديد، لكنها أميركا التي تقوم على الإيمان واحترام البلدان الأخرى، وأميركا التي يمثلها العلماء والمفكرون، والمدافعون عن الحرية ومحبو الشعوب الفقيرة مثل بيل غيتس. إنها أميركا التي تعتني بحياة أطفال أفريقيا، وتساعد مرضى الأيدز هناك. لماذا تعتبر رايس أن وقفا لإطلاق النار هو وعد زائف؟ هل أن الموت هو أهم من الحياة؟