عندما لا تعرف متى تتوقف

TT

ربما ما كان ينبغي ان تقع الحرب، وعندما ثارت من المؤكد كان يجب الا تستمر. والحقيقة التي يعرفها الرجال المجربون ان ايقاف الحروب اصعب من إشعالها، وهذا بالضبط ما نحن نراه أمامنا في لبنان، او كما قال أمين عام حزب الله القضية الآن من يصرخ أولا. والحرب ليست دائما تسير وفق خطط عسكرية بل تفرزها الدعاية، والاعتزاز، والاحراج، والمتفرجون، وغيرها. وربما على الساسة الاميركيين الا يقلقوا من ان تتوقف الحرب بلا نتيجة، فالأكيد انها لن تكون آخر الحروب في منطقتنا.

كلا الطرفين في حالة إرهاق ولا أحد منهما لا يريد ان يرفع يديه راغبا في وقف اطلاق النار. لكن دولا بحجم الفيل، مثل الولايات المتحدة، عليها مسؤولية اكبر من ان تترك حروب النمل تكبر الى حد الفتك الكامل. وهذا دورها في توقيت ساعة وقف اطلاق النار الذي من الواضح انها اخطأت حسابه. كان واضحا ان الأسبوع الأول حقق للاسرائيليين كل مطالبهم الاساسية في الرد، والانتقام، وايصال رسالة واضحة. لكن كل ما ارتكبه الاسرائيليون في الاسبوعين اللاحقين كان مجرد انتقام أعمى افشل كل فرص الحل الكبير، لا وقف اطلاق النار. واتذكر ان احد القادة الاسرائيليين قال بعد يومين من بداية القصف انه يحتاج الى 72 ساعة أخرى لتنفيذ مهمته لكن الآلة استمرت اربعة عشر يوما أخرى.

لو اوقفت اسرائيل عملياتها قبل نهاية اسبوع وقبلت مبدأ تبادل الاسرى، اسرائيليان مقابل ثلاثة لبنانيين او اكثر، كما كان حزب الله مستعدا له، لوفرت دماء المدنيين، واحياء الكراهية، وتأجيج المشاعر وتعقيد الوضع، وخففت من الحرج على الاصدقاء، وسهلت تمرير اي مشروع سياسي على الطاولة من اجل مناقشته من دون جرح لكبرياء الاطراف المختلفة. كان واضحا ان استمرار تكرار القصف لنفس الاماكن يعني ان لدى الاسرائيليين ذخيرة اكثر مما لدى حزب الله من اهداف لقصفها. النتيجة تماثل معارك مشابهة كثيرة مثل حصار الرئيس الفلسطيني الراحل ابوعمار التي تحولت مأساة انسانية بعد ان كان هدفها المزعوم اقناعه بردع الجماعات المسلحة، وخسر الاسرائيليون المعركة لانهم لم يتوقفوا. وواضح تماما ان اسرائيل لا تعرف متى تتوقف الا بعد ان تكون قد خربت كل شيء. ولهذا فإن ادامة الحرب افسدت دائما اي مشروع مصالحة، وافسدت على دول المنطقة المحاسبة الاقليمية، واحرجت المعتدلين، ونصرت المتطرفين، وخلقت مناخا سيئا جيدا ضد أي سلام حتى لو كانت تتوفر فيه عناصر القبول عند معظم الاطراف. وكان يفترض بالسياسيين الاميركيين، لا الاسرائيليين، ان يدركوا ان اطالة الحروب في المنطقة، اي حرب بلا استثناء، يجعل نهايتها مضمونة بالخسارة. ولهذا خسرت الحكومة اللبنانية، رغم انها اظهرت كفاءة كبيرة في ادارة الأزمة في ظروف معقدة وخطيرة، وخسرت الأمم المتحدة، وخسرت الدول المعتدلة، كما اضعفت الحرب الطويلة الاجنحة المعتدلة داخل الانظمة المتطرفة، وتبخرت فرصة ثمينة لحل الوضع اللبناني بشكل نهائي ودائم وإخراجه من دائرة النار المستمرة.

[email protected]