الحرب على لبنان في مرآة المثقفين الفرنسيين

TT

ماذا يقول المثقفون الفرنسيون عن الحرب التي تشنها إسرائيل على فلسطين ولبنان، التي تكاد تدمّر البشر والحجر؟. نلاحظ أنهم يتفقون على الحقيقة التالية: وهي ان الدولة العِبرية تريد تغيير موازين القوى في المنطقة عن طريق عمل عسكري ضخم لكي تقطف الثمار السياسية لاحقاً، وهذا ما فعلته عام 1967 وفي كل المرات.

فبعد أن فشل محمود عباس في نزع سلاح «حماس» و«الجهاد»، وبعد أن فشلت الدولة اللبنانية في نزع سلاح «حزب الله»، لم يبق أمام إسرائيل إلا أن تقوم بالعمل مباشرة، وبالتالي فهي تحاول أن تقصم ظهر الأصولية الإسلامية الرافضة لوجودها في المنطقة بشكل راديكالي مثلما قصمت ظهر القومية العربية وعبد الناصر عام 1967 لنفس السبب. هذا ما نفهمه من كلام جيل كيبيل وأوليفييه روا واندريه فونتين واليكسندر ادلير وجان دانييل وآخرين عديدين.

فبالنسبة لمثقفي الغرب وسياسيّيه، فإن وجود إسرائيل شيء لا يمكن التفاوض عليه، وينبغي على العرب ـ أخيراً ـ أن يقبلوا به. وإذا لم يقبلوا، فسوف تظل إسرائيل تسحقهم عسكرياً إلى ما لا نهاية، وسوف تدمر بُناهم التحتية وتقضي على أي أمل لهم في التقدم والتطور وإخراج شعوبهم من الفقر والجوع والجهل والتخلف.

لكن اندريه فونتين رئيس التحرير السابق لجريدة «اللوموند»، يضيف قائلاً بأن إسرائيل تقوم بمغامرة خطرة وغير محسوبة العواقب، فهي تنسى ان العرب من أكثر شعوب العالم استعصاء على الخضوع عن طريق القوة المحضة، كما يقول فيلسوفهم الكبير ابن خلدون في القرن الرابع عشر.

لكن أوليفييه روا صاحب كتاب «فشل الإسلام السياسي» وأحد كبار المختصين في الشؤون الإسلامية والعربية، يرى أن «حماس» تعيش مرحلة الطفرة السياسية العسيرة، فهي في طور الانتقال من المنطق العسكري إلى المنطق السياسي، لذلك فهي تتخبط في مسيرتها وردود فعلها دون ان تستطيع حسم أمرها في هذا الاتجاه أو ذاك، لكن المشكلة هي أن إسرائيل المتعجرفة بسبب تفوقها العسكري، لا تترك لها ولأي سلطة فلسطينية إلا خيارين لا ثالث لهما: إما الخضوع الكامل لها والتعاون معها، وإما الانقراض لصالح تنظيم آخر أكثر راديكالية.

ويرى الباحث الفرنسي ان مفتاح الأزمة الحالية المندلعة بين «حزب الله» وإسرائيل، موجود في إيران. فطهران تريد أن تصبح قوة عظمى في المنطقة عن طريق تشكيل هلال شيعي يمتد من العراق إلى لبنان مروراً بسوريا، وبعدئذ تفاوض الغرب من موقع قوة بخصوص أزمتها النووية معه، لكن المشكلة هي أنها لا يمكن أن تصبح قوة عظمى إلا على حساب الدول العربية المجاورة. من هنا، تعقيد الوضع الحالي الذي أصبح ثنائي الأبعاد، من خلال الصراع العربي ـ الإسرائيلي، الذي انضاف إليه الصراع العربي ـ الإيراني. فبعض العرب أصبحوا يرون في إيران خطراً أكبر من خطر إسرائيل.

ويؤيده في ذلك بشكل غير مباشر جيل كيبيل، الاستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس وصاحب الكتب المشهورة عن الأصولية الإسلامية والحركات المتطرفة المعاصرة. فهو يرى ان ضرب حيفا من قِبل صواريخ «حزب الله»، يمثل ترجمة حرفية لتهديدات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بمحو إسرائيل من الوجود. وعلى الرغم من أن لا أحد في إيران يصدق لحظة واحدة بأن «حزب الله» و«حماس» قادران على تهديد وجود إسرائيل، إلا ان طهران تستخدم هذا التصعيد لتخفيف الضغوط عنها، لكن خطيئة إسرائيل وأميركا من ورائها، هي اعتقادها بأن القوة قادرة على كل شيء.

أما جان فرانسوا لوغران، الباحث في معهد الشرق والمتوسط بمدينة ليون الفرنسية، فيشك في أن يكون مفتاح الأزمة في دمشق أو حتى في طهران، فهو موجود في الحقيقة في إسرائيل نفسها، وبالطبع في واشنطن. فإسرائيل تعتقد أن الفرصة مناسبة لتصفية حساباتها مع جيرانها المزعجين أو أكثر إزعاجاً. فالجماعة الدولية كلها تقف وراءها وليس فقط الاتحاد الأوروبي وأميركا. وقد عرفت كيف تستغل اشمئزاز العالم من الأصولية الراديكالية وتفجيراتها الإرهابية لكي تصفي حساباتها مع «حماس» و«حزب الله»، وتبدو وكأنها المدافع الوحيد عن القيم الحضارية للمجتمع الدولي المتمدّن. أما الباحث البير بورجي، استاذ القانون الدولي في إحدى الجامعات الفرنسية، فيرى أن هدف إسرائيل الحقيقي هو تقسيم لبنان إلى كانتونات طائفية سنّية، شيعية، مارونية، درزية.. إلخ، لذلك فهي تحطم بنية الدولة اللبنانية وليس فقط «حزب الله». وهي لن تشعر بالطمأنينة والأمان إلا بعد أن ينجح هذا المشروع ويمتد لكي يشمل المنطقة العربية بأسرها.