آخر النبلاء الذين رفضوا الحياة!

TT

كثيرون حاولوا الانتحار: العقاد وصلاح جاهين وجمال حمدان وكافكا وولف ولرمونتوف وكاتب هذه السطور. ضيقا بأنفسهم أو بالحياة أو يأسا من كل شيء. فلم يكن الموت إلا رفضا واحتجاجا وحذفا لأنفسهم من دفاتر الأحياء وانتقالا بأيديهم إلى قبورهم. وبعض الأدباء أحرقوا كتبهم.. أو أمروا بإحراقها.. أي أحرقوا صورتهم بعد الموت.. أي أنهم حاولوا فقتلوا مستقبلهم أيضا.. وكثير من الفاشلين والمفلسين والمرضى الذين لم يجدوا علاجا.. أو لأنهم كانوا صغارا لم يعرفوا لذة الحياة في الكفاح حتى الفوز بشيء وليس كل شيء.

ومن الغريب أن أستاذنا العقاد هاجم التشاؤم وهاجم الهروب من الحياة. ولكن العقاد كان شديد التأثر بفيلسوف التشاؤم العظيم أستاذنا الفيلسوف الألماني شوبنهور.. وكتب العقاد مقالا يقول فيه: أنا أقول للحياة نعم! وهو الذي رفض قبل ذلك أن يكون للحياة قول أو رأي.. فرفض الحياة ورفض الحياة وحاول الانتحار عدة مرات.. بينما الفيلسوف شوبنهور يرى أن الحياة، غريزة الحياة، هي التي تسخرنا أن نفعل ما تريد هي لا ما نريد نحن.. فالحب مثلا ليس إلا صورة زائفة للجنس الذي يؤدي إلى استمرار الحياة. فالحياة خدعتنا حتى نروح ونكمل مسيرتها ولو على جثث المفكرين..

وقد فوجئ العالم كله بالأديب الياباني الحاصل على جائزة نوبل، ينتحر على الطريقة اليابانية: هارا كيري. إن الأديب ميشيما (1925 ـ 1970).. وهو كاتب قصة قصيرة ورواية ومسرحية وله رباعية طويلة، مثل «رباعية الإسكندرية» وثلاثية نجيب محفوظ.. والخيط الذهبي في أعماله الأدبية، انه ساخط على اليابان الحديثة حزين على ماضي اليابان القائم على القيم الأخلاقية والجمالية واحترام الكبير وتقديس الماضي العظيم لبلاده. وانه يشفق على الشعب الياباني الذي وقع أسيرا للأدوات الإلكترونية التي اخترعها ونافس الدنيا في إبداعها.

وقد صارح كل أصدقائه وأولاده انه اتخذ قرارا بعد أن فشلت كل أعماله الأدبية، التي استحق عنها أعلى الجوائز، في أن تقنع الشعب الياباني بأن يعود إلى ماضيه. فقرر أن يعود هو وحده إلى الماضي. وان يتخذ قراره وحده. وان ينتحر بأن يقتل نفسه بالسيف، كما كان يفعل النبلاء في العصور القديمة. وكما يفعل الجنود حتى لا يقعوا في الأسر.. وانتحر ومات!

وكان موته إحياء لتقاليد (الساموري) أي النبلاء والإقطاعيين القدامى الذين يتعجلون الموت إذا طال مرضهم، أو هربا من الفضيحة أو هربا من الحياة التي لم تعد تطاق!