ولد في قانا وفيها لم يولد

TT

تقاس أعمار الأمم بالعقود. الأعوام للأفراد. عمر الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، عشرة أعوام. ولد يوم استشهدت قانا في المرة الأولى. وعندما استشهدت في المرة الثانية دخل مرحلة الوداع. الأمانة العامة للأمم المتحدة في حاجة إلى قيادي. إلى رجل رؤيا. إلى إنسان يحتاج إلى صورة على جدار التاريخ. كوفي أنان كان في حاجة إلى وظيفة. إلى التقاعد في أعلى مناصب المنظمة التي أمضى فيها حياته العملية.

جاء كوفي لأن بطرس غالي رفض التغطية على دماء قانا. قيل له اخف الشريط الإدانة ولا تقل شيئا عما حدث. ورفض الصمت، مفضلا الخطيئة القاتلة، أي مواجهة أميركا ومعاندة المسز أولبرايت، أخت الرجال، التي اشتهر عنها قولها المأثور إن فيدل كاسترو خصي. وقررت 14 دولة التجديد لبطرس غالي ودولة واحدة قررت عدم التجديد هي المسز أولبرايت. ورفعت مادلين شارة النصر في وجه العالم اجمع.

كان بطرس غالي يحلم لولايته الثانية بقوة دولية لا تسمح بأن تتكرر معها رواندا. وبمنظمة دولية لا تمنح غطاء الحروب لأحد بل تحاول إطفاءها في كل مكان. وكان هذا مزعجا للمسز أولبرايت، التي قررت أن تعطي العالم دروسا في السلوك الحسن. هنا وهناك.

لكي لا تغضب أفريقيا من زوال حصتها في الأمانة العامة، جيء بأفريقي اسمر بدل الأفريقي الأبيض، المتهم في بشرته في أي حال. وكان الرجل يعرف سلفا انه ممنوع تحريك الأمواج وإثارة الشغب. وأدى الدور بخبرة واضحة: الغياب حيث يجب وعدم الحضور حيث يتوجب.

وتشارف ولايته الثانية على الانتهاء الآن من دون اثر حقيقي: رجل لائق ومتوازن وديبلوماسي من الدرجة الأولى: لا يرضي أحدا ولا يغضب أحدا. رجل يشبه الأمم المتحدة كما هي، وليس كما يجب أن تكون. فقد مضى زمنها التاريخي يوم كانت تسجل التاريخ عندما لا تستطيع صياغته. وبما انه رجل من الداخل فقد كان يعرف ذلك خيرا من سواه. لقد مضى الآن عشرة أعوام على قانا الأولى، وعلى قانات المنطقة. وقد تجنب الديبلوماسي الغاني زيارتنا قدر الإمكان. وتجنب حتى الجولات التقليدية التي كان يقوم بها أسلافه. ونتمنى للسيد أنان النجاح في رئاسة غانا ذات يوم. بلده أحق به من سائر الأمم.