المهم أنني حاولت ولا يهم أنني فشلت!

TT

قالها أستاذنا العظيم أرسطو: الدهشة بداية المعرفة. فأنت ترى الشيء وتندهش وتتساءل: ما هذا؟ وكيف هذا؟ وما المعنى.. حتى تصل إلى شيء من الفهم وتتوالى المحاولات المدهشة حتى تعرف الكثير عن الأشياء وتحلم بالباقي. وقد جربت وحاولت، ولم تكن المحاولة ناجحة ويكفيني شرفا أنني رأيت وحاولت.. تجربتي أنني كنت في الكونغو مرافقا للقوات المصرية تحت علم الأمم المتحدة للدفاع عن الزعيم لومومبا، وقد ترك البلجيكيون هذه البلاد وخربوها، ولم نجد مكانا ننام فيه إلا غرفة واحدة وكنا خمسة من الصحافيين سنة 1961، وفي الغرفة سرير واحد ومصباح واحد، هذا المصباح يضيء وينطفئ من غرفة أحد الرهبان، فالغرفة ملحقة بالكنيسة. وجاء الليل بأصواته الرهيبة التي لا نعرف أي أنواع الوحوش هذه التي ملأت الدنيا رعبا. أما الحشرات حول المصباح فمئات، أشكال وأحجام وألوان وبعضها يتساقط علينا حيا وميتا، ولم يأت النوم، ولا أعرف كيف أتصيده وحاولت أن أندهش واندهشت وحاولت أن أعرف ما هذه الحشرات فوجدت أن معلوماتي محدودة وأنها لا تسعفني في فهم أو معرفة أسماء هذه الحشرات وكلها ذات أجنحة ولها طنين. حاولت ولما عدت إلى مصر كتبت ونشرت وعدت إلى ما كتبت فلم أجده شيئا مهما وإنما حاولت، ولكن ليس عندي وسائل العبور من الجهل إلى المجهول وعذري أنني حاولت.

ومنذ أيام صدر كتاب بعنوان «حدث في كوستاريكا» للدكتور جلبرت ماونسه المتخصص في الحشرات يقول إنه كان يمضي إجازة عندما وجد نفسه في إحدى الحدائق وأهم من الحدائق هذا العدد الهائل من الحشرات، ولأنه عالم باحث وعارف فقد أحصى أكثر من مائة نوع من الفراشات، هذه الفراشات كلها راحت تدور حول المصابيح كما تدور الأجرام السماوية في الكون، ففي الكون كل شيء يدور حول نفسه وحول غيره. والله أعلم.

ولأنه عالم متخصص فقد أمسك في ثلاثين ليلة كل هذه الحشرات، ووضعها وصورها وألصقها على أوراق جافة وحللها وأعادها إلى عائلاتها الحشرية، وأسكنها كل أزمنتها التاريخية.

وسألت نفسي عن سر هذه المحاولة. وعرفت السبب. فالكاتب الروسي الكبير نابكوف مؤلف رواية «لوليتا» كانت له هواية جمع الفراشات. وقد نجح في أن يكتشف فراشة جديدة لم يكن عرفها أحد. حتى أطلق عليها العلماء اسم «فراشة نابكوف». إذن هذا هو السبب، ولكني لم أكتشف فراشة وإنما اكتشفت عجزي وفي الوقت نفسه احترامي لنفسي والعلماء. فأنا حاولت وهذا أقصى ما أستطيع!