فتاوي الأزمة

TT

ورطة وقعت فيها أكثر من «مرجعية» دينية في العالم الإسلامي، لتوضيح مواقفها عما يحدث على الساحة اللبنانية. فزخم الآراء والفتاوى كسيل المطر يتناثر على المواقع وصفحات الجرائد، منها ما هو منطقي وعقلاني، ومنها ما هو مليء بأعراض «الزهايمر الفتوي»! نصرة هؤلاء، والدعاء على هؤلاء وغير ذلك من الصراعات الفكرية التي أبقت هذه المنطقة من العالم «مغرزة» في أوحال الجهل والتعصب وسائر الأمم تسير! ولكن المفاجأة كانت ظهور فيديو كليب جديد للظواهري بإخراج «هوليودي» قوي ومؤثر ومبهر (واضح إنه متعوب عليه ومكلف!). والظاهر أن هذا الفيديو صمم بهذا الأسلوب ليتماشى مع تغطية الحدث «اللبناني»، هذا البلد المعروف بابهاره الغني اللافت. وفي هذا الفيديو كليب أظهر الظواهري وتنظيم القاعدة تأييدهم لحزب الله اللبناني في مواجهته أمام الجيش الاسرائيلي، وطبعا هذا موقف «انقلابي» بالنسبة لعقيدة وفكر وثقافة تنظيم القاعدة السلفية الجهادية، والتي كانت تكفر الشيعة علانية وصراحة، بل وتحض على قتلهم، وكان يمارس ذلك علنا من قبل وكيلهم وقنصلهم الفخري في «بلاد الرافدين» بالعراق أبو معصب الزرقاوي، وهو الذي كان يفتخر بعد كل عملية إرهابية يزهق فيها أرواح الأبرياء بأن كل ذلك يأتي ضمن «المسيرة الجهادية» لـ «القاعدة».

ويبدو أن القاعدة أرادت «استغلال» المشهد الاقتتالي مع اسرائيل لتقول للعالم أنها أيضا «تؤيد» قتل الاسرائيليين وهي التي لم توفر جنسية أو دينا أو عرقا في مواقع مختلفة لتضيفهم لقائمة القتلى والجرحى. وهذه الخطوة تأتي كدليل دامغ جديد على «تلون» القاعدة واستغلالها «الميكيافيلي» لكل الأحداث بغية الوصول لمبتغاها السياسي، وهو الحكم باسم ظاهر الدين وباطني الارهاب. العالم الاسلامي وتحديدا الجانب العربي لا يزال أسير تخاريف «جهلة العلم الشرعي» ويستمع اليهم المئات بعيون مذهولة وأفواه مفتوحة مع تعطيل تام للتدبر والتفكير وغياب للعلم والمنطق وحسن الظن.

القاعدة وتنظيمها الارهابي المتمثل في رموزه وقادته في تصريحه الأخير، يوضح ضياع «البوصلة» وفقدان المصداقية والجدارة لقيادة «الحرب الكبرى» لتحرير العالم الاسلامي. نعم حقا العالم الاسلامي في حاجة ماسة لأن يحرر من «جهلة العلم الشرعي»، ومن على شاكلتهم. وإذا استمر تسليم أقدار الشعوب الاسلامية ومصائرها الى عصابات مارقة حفظ رموزها بعض الآيات ورددها عبر الفيديو كليبات «لدغدغة» مشاعر العامة فابشروا بمزيد من هذا المظاهر الخداعة، بل ليس ببعيد أن يتمادى الوضع ليصبح لتلك الفيديو كليبات محطات فضائية تعرض على مدار الساعة، فالسوق يسمح بذلك». الانبهار يعمي العيون ويمنع الانسان من رؤية الأشياء كما هي، وحالة الانبهار بطرح العصابات المنسوب زوراً للدين آن لها أن تنقشع ليرى الناس أي وهم يطاردونه.

[email protected]