نغير النظام الحاكم أم سلوكه؟!

TT

أرتاب جديا بأن فريق بوش سيفلح في تقليص البرامج النووية الايرانية او الكورية الشمالية ما لم يحل التناقض الذي يظل في قلب هذه الادارة منذ البداية: هل الأمر يتعلق بتغيير النظام أم تغيير السلوك في ايران وكوريا الشمالية؟ وبسبب ان فريق بوش رفض أن يقرر، فانه لم يحقق ايا من الأمرين. وكل ما حصلت عليه هو دولتان مارقتان مسلحتان بصورة أفضل.

كيف حدث ذلك؟ عودوا الى الصفقة المؤثرة التي انجزها فريق بوش عام 2003 لدفع زعيم ليبيا معمر القذافي الى التخلي عن برنامج اسلحته النووية. كيف حدث ذلك؟ رواية بوش الرسمية أن القذافي نظر الى الغزو الأميركي للعراق، وارتعب من ذلك، واتصل بإدارة بوش قائلا «يا الهي توجد رؤوس نووية في قبوي، اخرجوها من هنا!».

يؤكد روبرت لتواك، مدير دراسات الأمن الدولي في مركز وودرو ويلسون والخبير بالدول المارقة، أن هذا أمر خاطئ. وقال لتواك ان: «ما جعل القذافي يتبنى موقفه كان تعهدا أمنيا أميركيا ضمنيا ولكنه واضح بأنه اذا ما تخلى عن برنامجه النووي، فإن الولايات المتحدة لن تسعى الى ازاحته عن السلطة، وذلك هو الفرق. فاذا ما تخلت ليبيا عن أسلحتها غير التقليدية، فان الولايات المتحدة ستتخلى عن مساعيها لتغيير النظام».

وما هو غائب في طريقة معالجة بوش لايران وكوريا الشمالية هو ذلك النوع من الخيار الواضح. فعلى سبيل المثال، فإن الادارة، حتى بعد قبولها المشاركة في المسعى الدبلوماسي الذي قاده الأوروبيون باتجاه دفع ايران الى التخلي عن برنامجها النووي، استمرت في مسعاها تمويل زعزعة النظام الايراني، وأوضحت كما قالت كوندوليزا رايس يوم 21 مايو (أيار) الماضي ان «ايران مثيرة مشاكل في النظام الدولي. والضمانات الأمنية ليست مطروحة على الطاولة». ولدى كل من ايران وكوريا الشمالية حافز قوي جدا للإبقاء على الغموض بشأن قدراتهما النووية بينما نحن غامضون تماما بشأن نوايانا تجاههما.

وليس لدي شك في انهما نظامان مروعان وتعسفيان يسعيان الى توريط انظمة اخرى. وفريق بوش محق في رغبته بازاحتهما والسعي الى ايجاد سبل للضغط عليهما. ولكن الاتحاد السوفياتي كان مروعا وتعسفيا ايضا. ومع ذلك فقد سعينا الى «انفراج» مع موسكو. وكانت وجهة السياسة الأميركية في فترة الحرب الباردة تقليص قدرة السوفيات على تهديدنا، عبر اتفاقيات الردع والسيطرة على السلاح، وبالتالي جعل الثورة المعلوماتية والاستياء الشعبي يحطمان الاتحاد السوفياتي من الداخل. وما كان نافعا مع الاتحاد السوفياتي هو نافع مع كوريا الشمالية وايران. لنركز على الدبلوماسية الضرورية لايقاف البرامج النووية الكورية الشمالية والايرانية. فهذا هو ما يهددنا. ليست لدينا القوة القادرة على تغيير النظامين. فشعبا البلدين وحدهما هما القادران على ذلك. لدينا القدرة فعلا على تقييد قدراتهما. ان حقيقة ان الولايات المتحدة كانت لديها سفارة في موسكو ومارست الانفراج لم تنقذ الاتحاد السوفييتي. فقد انهار بأيدي شعبه. ولكن معاهدات السيطرة على الأسلحة التي وقعناها مع الكرملين انقذت العالم من كثير من الرؤوس النووية. وستنهار ايران وكوريا الشمالية من الداخل، ولكن ذلك سيستغرق وقتا. في غضون ذلك الوقت، ستنتجان الكثير من الأسلحة النووية. ولذا، فاننا بحاجة الى انهاء برامجهما الآن، حتى اذا كان ذلك يعني منحهما ضمانات أمنية اميركية ضمنية، كما كان الحال مع ليبيا.

وقال لتواك، مؤلف كتاب «تغيير النظام: استراتيجية الولايات المتحدة عبر موشور الحادي عشر من سبتمبر»، ان «هذا ليس اعترافا بأي من النظامين. انه طريقة براغماتية للتعامل مع حقيقة ان وقت تطوير الأسلحة النووية ليس متوافقا مع الوقت الذي يتطلبه الكشف عن تغيير النظام». فقد أدت خمسة عقود من عزل أميركا لكوبا الى خمسة عقود من وجود فيدل كاسترو. وما دمنا نحتفظ بغموضنا تجاه ايران وكوريا الشمالية، أي تغيير النظام أو تغيير السلوك، فانهما ستحتفظان بغموضهما بشأن برامجهما النووية. وليست لدي فكرة عما اذا كانتا ستتخليان عن اسلحتهما الآن، حتى اذا ما أعطاهما فريق بوش ضمانات أمنية. وربما تكون الأمور قد مضت الى حد أبعد. ولكننا بحاجة الى اختبار ذلك.

واذا لم نختبر تلك القضية فلن نعرف ابدا ما اذا كان هناك حل سلمي للتحديات النووية الايرانية والكورية الشمالية، ولن يكون لدينا حلفاء في سياسة أكثر صرامة إن لم تكن لدينا مثل هذه السياسة.

* خدمة «نيويورك تايمز»