ولا تفرقوا..

TT

ان الناظر اليوم الى عواصف الفتن والاختلافات التي تضرب المسلمين، ليشعر بالحزن والأسى، إذ كيف يتفرق ابناء أمة الاسلام، ودينهم واحد وكتاب الله الكريم الهادي موجود بينهم، وسنة نبيهم محفوظة لديهم؟! لكن نسأل الله الفرج والهدى.

الله عز وجل قال في محكم التنزيل«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» آل عمران 103. وقال تعالى «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» الانفال 46.

والله تبارك وتعالى يقول «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» الحجرات 10. وغير ذلك من النصوص القرآنية الكثيرة في هذا المعنى، وكذلك النصوص النبوية التي حثت على اجتماع الكلمة ونهت عن التفرق، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم :«المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولايسلمه». وقوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا».

فهذه النصوص من الوحيين تدل دلالة واضحة على انه يجب على المسلمين ان يجتمعوا على كلمة واحدة، ويعتصموا بعروة جامعة، وان يكونوا متحابين متآلفين متعاقدين بعقد واحد، ليكونوا درعا واقيا امام قدرة اعدائهم على النيل منهم، او تسلط الحاقدين على الاسلام واهله، متحاكمين جميعا الى كتاب واحد وسنة واحدة.

وبتحقق هذه الشروط، والوصول الى هذه الحالة من الاجتماع الراشد، تحصل القوة للاسلام واهله ويستطيعون بذلك ان يفوتوا الفرصة على كل من يريد زعزعة أمنهم او النيل من استقرار أحوالهم، وتشويه سمعتهم، وهذا، للاسف، ما حصل في صدر التاريخ الاسلامي، حين بذرت بذور الشقاق بين المسلمين، وتسلطت سيوفهم على رقاب بعضهم، وسالت دماء، وذهبت قوة الامة هدرا، وما ذاك الا حين دخل اهل النوايا السيئة بينهم، مثلما حصل من عبد الله بن سبأ الذي قام على قدم وساق واثار الفتنة والشقاق بين ابناء الامة، فتفرق شملهم، واختلفت كلمتهم، وتشيعوا فرقا واحزابا، مما جعل البعض يكفر البعض، والبعض يبدع البعض ويصفه بالضلال والانحراف على الصراط، وحصلت فتنة كبرى وشقاق عريض، ومفاسد عديدة اضعفت الأمة ويسرت لاعدائها سبل التسلط عليها.

وصدق الشاعر حينما قال:

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا.. وإذا افترقن تكسرت آحادا.

واليوم، نحن بحاجة ماسة الى ان نحكم كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم بيننا وان نجعلهما الاصلين اللذين نرجع اليهما عند الاختلاف، وان نكون أمة «وسطا» اهل اعتدال وهدى، لا إفراط ولا تفريط، خصوصا أننا في هذا الزمن نرى الاختلافات الكبيرة والتنازع الشامل، والذي منبعه كما قلنا عدم الرجوع الى الوحيين، والصدور عن نورهما الهادي والعاصم من مواطن الفتن، وعدم تحكيم التوجيه النبوي العظيم.

نقول ذلك والفتنة الآن والنزاعات تعصف بالمسلمين وتضعف أمرهم امام خصومهم، في كل مكان، ومن يرى الاحداث في السنوات الأخيرة خصوصا، وتتابع البلاوي، يدرك ذلك، ويراه رأي العين، ويعصر قلبه الالم على ما وصل اليه حال المسلمين من تفرق وشتات.

نسأل الله الكريم العظيم ان يفيض رحمته على أمته ويهيأ لها سبيل الخلاص وطريق الرشاد.