بعيدا عن غرفة العمليات!

TT

الذين ترددوا على مطاعم المكرونة (الفريدو) والذين رأوا الرجل نفسه كيف يلقي بالمكرونة إلى أعلى وينتظرها في طبق كبير واحدة واحدة.. فبهرهم هذا الساحر الظريف. ولكنهم إذا دخلوا المطبخ ورأوا الطهاة والأطباق المتناثرة في كل مكان، فوق وتحت وهم في حالة عصبية ويتخبطون بعضهم في بعض ويتصايحون فلن يكررها فالمكرونة في الأطباق وعلى الموائد أجمل وأنظف. والذين يشاهدون صناعة السينما.. أي صناعة الفيلم مشهدا مشهدا. عصبيون مرتبكون والمخرج يصيح ومساعدوه يستعجلون الممثلين والكومبارس، فإنه يكره هذه الصناعة القائمة على الخدع الفنية. ولذلك بعض الممثلين لا يرون أفلام الآخرين لأنهم يعيشون نفس الخدع..

ولي عدة تجارب. فأول فيلم رأيت مشهدا قصيرا منه كان في حديقة الأسماك بالقاهرة. رأيت المخرج صلاح أبو سيف يلقن عماد حمدي ماذا يقول لعقيلة راتب. والاثنان يتمددان على العشب. واستغرق المشهد دقيقتين أو ثلاثا. ولما رأيت الفيلم بعد ذلك لم أجد هذا المشهد. فلسبب ما حذفه المخرج! والفيلم اسمه (دايما في قلبي).. ورأيت بالقرب من الأهرام مشاهد خروج اليهود من مصر في فيلم (الوصايا العشر) من إخراج سيسل دي ميل وبطولة ريتشارد هستون.

رأيت عددا كبيرا من المصريين أشكالا وألوانا وقد تزاحموا ليخرجوا وراء موسى عليه السلام. وقد رأيت الفيلم بعد ذلك في مدينة سيدني بأستراليا، ولما عدت سألني سكرتيري إن كنت قد رأيته في الفيلم، فقد كان واحدا من ألف من اليهود الخارجين من مصر؟! ورأيت فيلم (كليوبطره) في الإسكندرية، الفيلم من بطولة اليزابيث تايلور وريتشارد برتون. ولكن عندما رأيته على الشاشة كان رائعا. ولم يكن كذلك عند إخراجه، فالمخرجون عيون وقرون استشعار لا نعرفها فهم يرون ما لا نرى ويتخيلون ما لا نستطيع أن نتخيل!

وكذلك الكاتب والرسام.. إن حالتهم لا تسر القارئ مهما كان شديد الولع بهم.. فقد اكتشفت زوجة الفنان الكبير صلاح طاهر أن فتاة تقف في الشارع ترى الأضواء في بيته ولا تعود إلى بيتها إلا إذا أوى إلى فراشه.. وهي تفعل ذلك صيفا وشتاء.. فأشفقت عليها.. وطلبت منها أن تعيش يوما واحدا لترى فنانها الذي تتعبد فيه..

ورأت البنت ما جعلها تهرب من الوهم الذي تعيش فيه.. فالفنان يصحو من النوم يزعق وينادي الخدم ويشتم.. منكوش مبهدل الثياب.. ويدخل المطبخ يستعجل القهوة وينادي على البواب ليستعجل الصحف.. فرأت الفنان الكبير غجريا.. وليس كما يقول نزار قباني: والشعر الغجري يطير شمالا ويمينا.. ولما رأى العاشقة الصغيرة تساءل: خادمة جديدة! وكان ذلك كافيا جدا لان تكفر البنت بالفنان والفن والأدب والأدباء والممثلين أيضا!