كرة مطاط.. أم كرة حديد؟!

TT

في إحدى القرى الأوروبية الصغيرة، أراد الحاكم الإداري فيها أن يشتري سيارات إسعاف، ووجد أن الميزانية في قريته لا تستطيع تأمين ثمن تلك السيارات، فتفتقت قريحته أن يعلق إعلاناً في صحيفة تلك القرية، وكذلك يذاع بالتلفزيون والراديو: أن الحاكم يدعو الجميع في اليوم الفلاني، وفي تمام الساعة الفلانية للتواجد في الميدان العام، حيث أنه ـ أي الحاكم ـ سوف يعرض نفسه للرجم لمن يشاء، وذلك بأن يقف كأي هدف، ويستطيع أي فرد أن يقذفه بالكرات.

وفعلاً احتشد جمع غفير في الميدان بالموعد المحدد، وحضر الحاكم، وألبسوه شبكة معدنية على رأسه، ووضعوا حزاماً عريضاً على خاصرته حماية للمناطق الحساسة من جسده، ثم عرضوا للجميع كرات مطاطية ثمن الواحدة منها (نصف يورو).. وأخذ الجميع يتهافتون على شرائها، بعضهم من اجل المساهمة بالعمل الخيري لشراء سيارات الإسعاف، وبعضهم لتفريغ شحنات غضبهم أو سخطهم على الحاكم.

وتوالى القذف والرجم على كل أنحاء جسد الحاكم، وهو صامد يتلقى الضربات، بل انه يحثهم ويطالبهم بالمزيد من الضرب، وكأنه مريض نفسياً يسعده الألم.

واستمروا على هذه الحال أكثر من ساعة كاملة، وعندما انتهوا وجدوا أن الحصيلة قيمتها أكثر من ثلاث سيارات.. وانفض الجميع سعداء يضحكون بمن فيهم الذين كانوا غاضبين.. في الوقت الذي نقلوا فيه الحاكم إلى المستوصف للكشف عليه وإراحته من شدة الإرهاق، خرج بعدها بنصف ساعة معافى بعد أن تناول قدحاً كبيراً من شراب الشعير.

خطر هذا في بالي لو أن تلك (اللعبة) اللطيفة طبقت في بعض القرى والبلدات العربية، ووضع كل عمدة أو رئيس بلدية أو دائرة، نفسه كهدف يتعرض للرجم، لكي يجمع في النهاية مبلغاً يحسن فيه مرفقاً من المرافق، هل يا ترى يقبل أي مسؤول عربي أن يضع نفسه في مثل هكذا موقف؟!، ثم كم هم عدد الملبين الذين سوف يحضرون هذا (الاستعراض)، وكم هم عدد المتبرعين الفاعلين للخير؟!، وكم هم عدد الساخطين (المتضرسين) الذين سوف يفشون غلهم بدون أي تردد؟! وهل الكرات المطاطية تجدي؟!، هل هي فاعلة؟!، هل يقبل بها كل رامٍ؟!، أم أنهم سوف يطالبون أن تكون الكرات من الحديد أو على الأقل من الحجارة؟!

انه اقتراح، وأمنية لا يهمني أن تتحقق.

* * *

قبل مدة ذهبت لأخذ ابنتي من مدرستها الابتدائية، وعندما كنت منتظراً بداخل سيارتي، إذا بسيدة تتوقف أمامي تحملق في وجهي وتبتسم، فزغرتها بعيني لكي أردعها، فتراجعت للخلف وهي تقول لي معتذرة: لا تؤاخذني فقد حسبتك أب إحدى بناتي، وبعدها أعطتني قفاها وهرولت هاربة.

في الوقت الذي لم أجبها، ولكنني أخذت أردد بيني وبين نفسي: (أب إحدى بناتي)!!

كيف يكون هذا؟! بالله عليكم كيف يكون؟!