في معنى انتصار حزب الله؟

TT

من خلال خطب السيد نصر الله يمكن القول إن «حزب الله» لا يقاتل إسرائيل، قدر أنه يناضل ضد شعور عربي ومسلم عام بالهزيمة والإذلال وعدم الكفاءة. على سبيل المثال، انتبه إلى تعريف السيد نصر الله للنصر، ضمن أسلوب يخلو من التضخيم، ويختلف جذريا عن الأسلوب القديم المتميز بالمزاعم الهجومية الضخمة للزعماء العرب، مثل جمال عبد الناصر وصدام حسين. فالسيد نصر الله واضح ودقيق جدا بأن إسرائيل لا يمكن هزمها عسكريا. إذ قال إن «حزب الله»، «لا يمكن أن يُسقط مقاتلات أف ـ 16 الإسرائيلية»، لكن ما يستطيع القيام به هو جعل القوات الإسرائيلية تنزف باستمرار، وإلحاق الأذى باقتصادها وانتزاع تنازلات سياسية منها، وأي منها يشكل نصرا. النصر هو إذن حالة سيكولوجية بالنسبة للعرب والمسلمين إضافة للإسرائيليين «المهزومين»، ولا تحمل أي علاقة مع تكاليف الحرب المادية والجسدية. لا يمكن لهذا الانتصار أن يقاس ولن يزيد أي دمار يلحق بلبنان عن الدعم الذي سيكسبه حزب الله في العالمين العربي والإسلامي، إذ أنهما لن يريا سوى عرب تمكنوا من الوقوف بوجه خصم يمتلك قوى خارقة للمألوف في مخيلتهم الجماعية. لكن هل يمكن حقا اعتبار مقاومة حزب الله نجاحا أو هي مجرد وهم على الأمد الطويل؟ وهل هي أكثر من انتصار «القاعدة» عند قيامها بهجمات 11 سبتمبر 2001؟ كيف ستتغير خارطة الشرق الأوسط السياسية، إذا اعتبر حزب الله منتصرا في هذه الجولة مع إسرائيل؟ وأخيرا أي قوى في الولايات المتحدة ستستفيد من هذا الترتيب؟

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، دعونا نعترف بنجاحات حزب الله الظاهرية. الأول هو بدون شك، حالة الارتباك التي تركتها في القاعدة، واتضح ذلك في خطاب أيمن الظواهري، والذي دعا فيه إلى قتال إسرائيل، لكنه ظل غير واضح حول موقع ونشاطات «حزب الله». ثانيا، تبدو الحركة السلفية منقسمة على نفسها، ولذلك أضعفت بتأثير حرب حزب الله، فهناك من يساند المنظمة الشيعية وهناك من هو في حالة تشوش عما يجب فعله. وثالثا بنى حزب الله أواصر مع حركة الإخوان المسلمين، وحصل على دعم منها. واتضح ذلك من خلال دعم المرشد مهدي عاكف في مصر والشيخ يوسف القرضاوي في قطر، وقيادة حماس في فلسطين وسورية، دعما مطلقا لحزب الله.

من الواضح أنه من خلال مواجهاته المسلحة لإسرائيل وخطابه غير الطائفي، نجح في التخفيف من هويته الشيعية. ويبدو أن هناك عددا قليلا من المسلمين والعرب غير قلقين من التزام «حزب الله» بتعاليم آية الله الخميني المستندة إلى مبدأ ولاية الفقيه، حيث يكون هو المرشد الأعلى الذي يقرر شؤون الحرب والسلام، وهو الذي يعتبر مرجعا يجب إطاعته من قبل جميع المؤمنين.

ولي الفقيه الحالي هو آية الله علي خامنئي في ايران، وهو اول من ترجم أعمال سيد قطب الى اللغة الفارسية، وله علاقات وثيقة مع الإخوان المسلمين. دور ايران وراء «حزب الله» ونفوذه المتزايد في الشرق الأوسط مخفي بعناية.

لذا، فإن ايران ربما رأت اخيرا بعد طول انتظار ثمار ثورتها الاسلامية عام 1979 لتبسط سلطتها على منطقة الشرق الاوسط. إلا ان نجاحها حتى الآن يتمثل فقط في «حزب الله» في لبنان. ربما تهيمن إيران على منافستها الرئيسية بسبب فشل وعدم كفاءة الولايات المتحدة في العراق، وبسبب لعب «حزب الله» في لبنان دورا رئيسيا في تحديد عناصر النزاع العربي ـ الاسرائيلي. الخاسرون سياسيا في هذا السيناريو كثيرون بالتأكيد قادة دول الخليج العربي ومصر والأردن، الى جانب دول اخرى. بالاضافة الى انه يبدو لي ان الشرق الاوسط سيشهد اضعافا للزعامة الدينية فيما يخص السعودية لحساب إيران، اذا ظلت الامور تجري كما هي الآن، علاوة على ان الصراع المذهبي بين السنة والشيعة سيزداد، كما نطالعه يوميا، مع الاسف الشديد، في العراق.

منح المحافظون الجدد في الولايات المتحدة، فرصة للبقاء فترة أطول بسبب تصرفات «حزب الله»، ويشعر هؤلاء الآن ان لهم عدوا جديدا يعملون على إخافة الرأي العام الاميركي منه. وبمقدروهم اقناع الرأي العام الامريكي بجدوى تقديم تضحيات مادية وعسكرية ومعنوية في سبيل مكافحة هذا العدو. ويمكن ملاحظة ذلك في رفض البيت الأبيض قبول وقف إطلاق النار في لبنان. يريد المحافظون الجدد ان تكون هناك حرب بين «حزب الله» وإسرائيل كي يوسعوا رقعة عدم الاستقرار خارج حدود العراق لتشمل سوريا وإيران. وبالنسبة لهم يعتبر «انتصار» تغيير النظم الحاكمة في كل من سورية وايران مبررا لأي كم من الدمار والقتل في الشرق الاوسط. إنهم ببساطة لا يأبهون اذا قتل آلاف او عشرات الآلاف من العرب، أو إذا دمرت البنيات التحتية لهذه الدول، لأن ذلك يوفر فرص عمل للشركات الغربية في عمليات إعادة البناء.

اذا، ماذا عن الانتصار النفسي (السيكولوجي) لـ«حزب الله»، وهو لا يعدو ان يكون انتصارا وهميا؟ تجارب الدول الأكثر قوة من العرب مثل ألمانيا واليابان تشير الى ان هذا «الانتصار» أوهن من بيت العنكبوت. فالانتصار الوحيد الحقيقي لأي شعب في العالم الحديث هو تأهيل أفراده وتطوير قدراته على المنافسة في مجالات الصناعة والأفكار والإبداع وليس في ميادين المعارك والقتال. يجب ان نسأل انفسنا عن عدد العرب المؤهلين الذين يتركون لبنان ودول اخرى في منطقة الشرق الاوسط للعمل في الغرب نتيجة لهذا النزاع؟ فمع هجرة كل فرد من هؤلاء يخسر العالم العربي والاسلامي معركة أمام الغرب. اما النتائج المترتبة على العرب والمسلمين فستكون دمارا وإزهاق أرواح بريئة ستعتصر القلوب وتدمي الضمير الاخلاقي.

* استاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة نيويورك في امريكا

(خاص بـ«الشرق الأوسط»)