اسألوا أين تذهب أموالكم

TT

في اسابيع الحرب الدائرة ودمارها المروع على لبنان، قرأت عن عزم بعض المؤسسات الاغاثية استخدام الهاتف الجوال وسيلة جديدة لجمع التبرعات. ثمن المكالمة يذهب من دون جهد من المتبرع الى المؤسسة الانسانية المعلنة. وسيلة فعالة وذكية وسهلة، وبالتأكيد مضمونة النجاح في وقت هناك ملايين الناس على استعداد للتبرع بحماس بما يتيسر لهم.

لكنني، وبسبب تجارب سابقة غير سعيدة، اعتدت على أن أسأل قبل ان أصدق أي اعلان مهما كان مصدره، ومهما كان تعاطفي مع رسالته.

وبعد متابعة أولية وجدت الفكرة بالفعل فعالة، على اعتبار ان العائق الاساسي في التبرعات هو تحصيلها. فالاكثرية الراغبة في التبرع لن تذهب وتقف في طابور بنك، لكن المتبرع مستعد لأن يمد يده بأريحية الى جيبه ومناولة الواقف أمامه ما يستطيع عليه. وهنا دور الهاتف الجوال في الجيب نفسه، يحقق للمحسن التبرع من دون أن يخطو خطوة واحدة خارج مكانه.

بكل أسف صدمت عندما علمت أن شركات الهاتف، أو بعضها، تحصل لنفسها 75 في المائة من كل تبرع، ولا يذهب للمؤسسة الإغاثية سوى الربع، وتصرف بعضها شيئا منه على خدماتها. أي ان كل مكالمة هاتفية قيمتها دولاران يذهب منها أقل من نصف دولار للإغاثة. بعبارة أخرى هذه عملية تجارية لاإنسانية، وسرقة بشعة من المحسنين، وحرمان لإناس في أمس الحاجة إلى كل تبرع حياتهم تعتمد عليه.

وهنا واجب الوسائل المختلفة أن تجدّ في التفتيش عن، أين تذهب التبرعات من لحظة استلامها الى آخر يد تستلمها؟ وعلى العاملين في مجال الاغاثة، الذين يشكرون على نجدتهم، ان يقبلوا بصدر رحب مثل هذه المساءلة حماية لنشاطهم من المحتالين وضعاف النفوس. وواجب الحكومات ان تسمح للجهات المستقلة بتتبع حركة الأموال بتفاصيلها المملة.

كل متبرع يريد ان يعرف أين ذهب ماله، سواء منحه لجهة حكومية أو خاصة، وهؤلاء لن يسامحوا إن اكتشفوا أن تبرعاتهم نهبت أو لم توصل لاصحابها.

فالكثيرون اندفعوا بحماس وبثقة عمياء إلى الاتصال بارقام التبرعات الانسانية، اعتقادا منهم بأن دولاري المكالمة ستتحول الى أغذية او ادوية او بطانيات. كما اندفع ملايين المتبرعين في مناسبات مختلفة ماضية، ولم نعرف بعد اين ذهبت وكيف صرفت ومن استفاد منها. ولا أود ان اثبط حماس المتبرعين واملأ رؤوسهم بشكوك قد تمنعهم من فعل الخير، لكن ما رويته هو قصة حقيقية حول قيام بعض شركات الهاتف بخصم رسوم من تبرعات الناس من دون معرفتهم. فلتعلن هذه الشركات إن كانت المكالمات كلها خيرية او انه نشاط له استحقاقات مالية، ونسبة المستقطع. كما ان شركات الاغاثة والشركات الانسانية الاخرى، يجب ان تعلن بشفافية ومنهجية عن كيفية حركتها وحجم الاموال وطريقة انفاقها، وكم تستقطع هي لتغطية تكاليفها، وهنا نشكر التي لها مواقع الكترونية، والتي تعلن عن المتبرعين واموالهم وكيف تنفقها. ولا ننسى الحكومات التي تقوم هي الأخرى بجمع أموال الخير، أن تقول للناس ماذا فعلت بأموالهم.

 

[email protected]