المعركة الأخرى

TT

دائما ما يقال إن الحقيقة هي أولى ضحايا الحرب، واليوم يقف العالم بأسره موقف المتلقي السلبي، وهو يتابع سيلا هائلا من المعلومات والصور والأخبار الواردة من أراضي المعارك المختلفة في منقطة الشرق الأوسط الساخنة كالعراق وفلسطين ولبنان. وفارق كبير بين الاعلام العربي إبان مناسبات حربية سابقة وبين حاله اليوم. إعلام البارحة الذي كان ثلة من الاعلاميين المؤدلجين الذين يطبلون للزعيم، وشعارات الحزب، وديباجات «معركة المرحلة» و«تقرير المصير» وغير ذلك من الأهداف المضحكة، وكان بالتالي ما يغطي وهدف ما يقدم مغايرا تماما على أرض الواقع، وهذا النموذج لا يزال موجودا في شكل القنوات ووسائل الاعلام العربية الرسمية (والتي أرى أنه لا بد من محاكمة القائمين عليها بتهمة التعذيب النفسي والاساءة لحقوق الانسان).

واليوم هناك أداء مغاير تماما للاعلام العربي وخصوصا الجانب المحترف منه. فأصبحت الكثير من دول العالم تعتمد بشكل متوازن على الصورة والخبر والمعلومة العربية نظرا لحجم المصداقية والجدارة والكفاءة التي اكتسبها عبر الأيام والسنوات السابقة، على عكس المعلومة الآتية من اسرائيل نفسها المليئة بالقيود الرقابية والتعتيم بالاضافة لضبابية الاحصاءات والمعلومات الدقيقة التي تتحفظ اسرائيل على إعلانها لأسباب أمنية كما تدعي.

وإذا كان غلاف صحيفة كالاندبندت البريطانية المعروفة منذ أيام مضت وهو نشر صور أعلام الدول التي تطالب بوقف إطلاق النار في مجلس الأمن بالأمم المتحدة، وتظهر عددا كبيرا من الدول المؤيدة لهذا المطلب مقابل ثلاثة أعلام فقط التي ترفض ذلك وهي الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل، هذا الغلاف صرخة حق مثلها مثل مقالات روبرت فيسك بنفس الصحيفة، وكذلك تغطية صحيفة الغارديان البريطانية، وبعض الصحف الفرنسية والألمانية , لكن تبقى معظم الوسائل الاعلامية غير موضوعية البتة. ولعل الإبراز الواضح «لمأساة» زوجة أحد الاسيرين العسكريين الاسرائيلين على محطة «سي ان ان» الاخبارية الفضائية المعروفة في جولتها الاوروبية للتوضيح للعالم «الحر» حجم معاناتها في نفس توقيت تداعيات مجزرة قانا يحمل العديد من علامات الاستفهام والتعجب. جولات كثيرة وكبيرة ربحتها وسائل إعلام عربية مؤخرا (مع عدم اغفال أن هناك محطات اخبارية وصحفا ومواقع الكترونية تمارس الاثارة الاعلامية والمبالغات الاعلامية الى حد صناعة الاسطورة والوهم والاكذوبة بشكل مفضوح ورخيص.

التحدي الحقيقي للاعلام العربي سيكون بعد انقضاء جولات ما يحدث في لبنان وفلسطين والعراق وبالتالي التركيز على القضايا الداخلية الكثيرة والمهمة، قضايا تنموية لافتة ومؤثرة مثل صناعة الارهاب، وتكريس التطرف، والفساد وانتشاره، والظلم وتأصله وغير ذلك التي جعلت الكثير من المجتمعات العربية مليئة بالامراض والتناقضات وحولتها لتربة خصبة للعلل والآفات. تألق الاعلام العربي على جبهة واحدة فقط ينقص من انجازاته، ويجعل الصورة غير مكتملة دون النجاحات الداخلية المنتظرة.