تداعيات ومصطلحات

TT

لكل حرب تداعياتها، ولكل وغى آثارها ونتائجها التي تتجاوز النتيجة المباشرة للمنتصر في ميدان المعركة، ولا شك في أن للحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل ـ الجارية حتى كتابة هذا المقال ـ تداعيات لاحت بعضها في الأفق، وأخرى بائنة للعيان، كما أن لهذه الحرب من يرقب هذ التداعيات ويدرسها بعمق وروية.

ليس صحيحيا بأن هذه الحرب قد «حصّنت» العلاقة بين السنة والشيعة في عالمنا كما يقول السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته، المتطرفون من السنة وقفوا ضد حزب الله لأنه شيعي، تماما مثلما وقف المتطرفون من الشيعة ضد القاعدة لأنها سنية، ولا أدل على ذلك من الموقف الإيراني من القاعدة، فإيران الطائفية ـ وأقصد هنا إيران الرسمية ـ التي تردد ليل نهار «الموت لأمريكا الشيطان الأكبر»، وقفت ضد القاعدة بعد هجمات نيويورك وواشنطن لأسباب طائفية بحتة، والمتطرفون من السنة وقفوا ضد حزب الله ـ ليس لأنه ورط لبنان في حرب غير محسوبة العواقب ونتائجها كارثية على الشعب اللبناني ـ ولكن لأن متطرفي السنة يرون الشيعة كفارا لا يختلفون في عدائهم للإسلام بمفهومهم عن اليهود.. هذه هي الحقيقة المرة التي تداعت نتيجة هذه الحرب.

القاعدة وحزب الله وجهان لعملة واحدة، ومن يقل غير ذلك فهو يكيل بمكيالين، فلئن كانت القاعدة قد خطفت الطائرات المدنية عام 2001، فإن حزب الله قد سبقها قبل ذلك بعقدين حين امتهن الخطف في الثمانينات.

ليس صحيحا بأن انتصار حزب الله سيكون انتصارا للبنانيين، فالأمور بخواتيمها، وبعيدا عن التعاطف والشعارات، فقد خسر اللبنانيون قبل أن تنتهي الحرب خسائر بلا حدود: موت ودمار وتهجير وتشرد وخراب اقتصادي.. إلخ.

وبالنسبة لإسرائيل، فقد خسرت هي الأخرى: ثبت عسكريا أن أمن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، وبأن الأمن الحقيقي لليهود في السلام، وليس في وهم القدرة العسكرية الضاربة التي يمتلوكونها والتي لا تتوقف الولايات المتحدة عن مدها بما تشاء. ولكن خسائرها محسوبة لطبيعتها، فالقول إن إسرائيل خسرت هذه المعركة مناف للحقيقة، إسرائيل دخلت هذه الحرب بتخطيط ونية مبيتة كانت تبحث لها عن شرارة، فجاء اختطاف الجنديين. انتصار إسرائيل يعني القضاء على حزب الله، والانتصار بالنسبة لحزب الله يعني بقاء الحزب والقيادة بعد وقف الحرب.

الأمم المتحدة بدورها خسرت أية محاولة لإدانة إسرائيل، لا بل إنها لم تعد تجرؤ في مجلس الأمن على تقديم قرار إدانة لا يسمن ولا يغني من جوع، وأصبحت تكتفي ببيانات التعبير عن الأسف والقلق حول الجرائم الإسرائيلية لعلمها بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستستخدم حق الفيتو في وجه أي قرار إدانة أممي لإسرائيل.

رافق هذه الحرب مصطلحات ولغة جديدة، فظهر مصطلح «العربان»، وهو مصطلح جديد في لغتنا السياسية كان محصورا في المسلسلات البدوية، سمعنا بالعرب العاربة والمستعربة والأعراب والعربجية، ولكن الحرب الجديدة خلقت مصطلح عربانا مقابل العرب!! لم يتضح المقصود بالعربان حتى الآن.

كما ظهر مفهوم اقتصادي جديد اسمه «أموال طاهرة»، مقابل أموال ليست طاهرة، وليس واضحا الفرق بينهما بعد، فعالم الاقتصاد عرف غسيل الأموال، والعملة المضروبة أو المزورة، والأموال النظيفة مقابل الأموال التي أتت عن طريق الجريمة المنظمة والمخدرات وما شابهها، لكن مصطلح الأموال الطاهرة مصطلح جديد في هذا المجال. ولا أدري إن كان «المعتّر» (بالتشديد على التاء) اللبناني الجنوبي الذي فقد كل شيء يميز بين الأموال الطاهرة وتلك التي ليست كذلك.

كلما قرأت أو سمعت عن مصطلح أمريكي جديد مفاده «الفوضى البناءة»، نظرت إلى صور الأطفال في قانا، فخجلت من آدميتي التي يدعي البعض الانتماء لها.