إسرائيل.. حين تمارس «إعلامها» على اللبنانيين!

TT

تآلف اللبنانيون قسراً مع الحرب الدعائية والإعلامية المترافقة مع الهجوم الاسرائيلي الشامل والوحشي ضد لبنان. وفي صلب تلك الحملات، المنشورات التي تسقطها الطائرات الاسرائيلية على اللبنانيين في الجنوب أو في بيروت من حين لآخر، إما محذرة من دعم حزب الله، أو منتقدة لقيادته وساخرة منها عبر رسوم كاريكاتورية سخيفة، وإما داعية السكان إلى إخلاء مناطق بعينها، أو مدّعية أن اسرائيل لا تستهدف اللبنانيين!!. وحين ألقت المقاتلات تلك، ليل الخميس الماضي، دفعة من المنشورات معلنة نية اسرائيل قصف مناطق جديدة في الضاحية الجنوبية أدرك اللبنانيون أن ليلة صعبة تنتظرهم.. وهكذا كان..

منذ بداية حربها على لبنان عمدت اسرائيل إلى توجيه تحذيرات عبر الإذاعة وعبر مكبرات الصوت في الجنوب وأيضاً عبر اسقاط المنشورات بشكل مكثف ومتكرر، حتى باتت تلك الوسيلة الأبرز في مخاطبتها للبنانيين.. ويبدو أن المنشورات كانت الوسيلة الأكثر تأثيراً بدليل سرعة تبادلها سواء بين اللبنانيين أو عبر وسائل الإعلام المحلية والأجنبية.

واعتماد اسرائيل للمنشورات في هذه الحرب، ليس نسقاً ناشزاً على ما دأبت عليه الدولة العبرية وهو على كل حال ليس بالأمر المستجد في الحروب. لكن لا يسع المرء سوى أن يتأمل قليلاً في معنى اسقاط تلك المنشورات والدلالة التي تحملها سواء من حيث الأسلوب أو من حيث المضمون. إذ تبدو المنشورات والرسائل التي تحملها بمثابة لغة تواصل بدائي توحي وكأن الوسائط الحديثة للاتصال قد زالت فجأة وحلت محلها تلك اللغة الجامدة القاتلة.

حتى العبارات المستعملة في المنشورات والموجهة إلى اللبنانيين هي عبارات خالية من أي حياة. وكأنها لغة ليست صادرة عن بشر بل عن آلات تحاول أن تشعر المستهدفين بها بأنهم حيال وسيلة اتصال عدمية لا حساسية فيها، وهي كذلك فعلاً. فحين تحذر اسرائيل اللبنانيين عبر الإذاعة أو المكبرات الصوتية يبقى شيء من الصدى البشري وإن بشكل واهن لكن في المنشورات التي تأتي موقعة بكلمة «دولة اسرائيل» فهي توحي بشرّ فعلي وبدائي أيضاً.

اسرائيل وكما حضّرت عسكرياً لحربها على لبنان كانت تقرن عنفها وشراستها العسكرية بخطط إعلامية لا تقل قساوة ولؤماً. وهي لم توفر الإعلام اللبناني، فدمرت قناة «المنار» الناطقة بلسان حزب الله، وكثيراً ما شوشت على إرسال القناة ببث شعارات وصور تحاول أن تنال من معنويات الحزب وجمهوره. كما دمرت المقاتلات الاسرائيلية محطات ارسال وأعمدة بث لأكثر من قناة تلفزيونية وإذاعية.

حتى الرسائل الهاتفية المسجلة التي غالباً ما توقظ لبنانيين عاديين من نومهم تحذرهم من دعم حزب الله باسم دولة اسرائيل، يبدو واضحاً أن من تلاها لا يجيد العربية ويقرأ التحذير كما يتلوه الرجل الآلي ما يجعل المتلقي، وهو هنا اللبناني، يشعر أنه حيال غريب وحيال عدو تكرّست صورته بصفته شرّاً خالصاً.

diana@ asharqalawsat.com