وبعضنا لا يؤمن إلا بالدولار!

TT

انكشفت شمس الحقيقة. فأنت لا تعرف الشرق من الغرب. ولا الليل من النهار. في بلاد الضباب يطلبون من المشاة أن يتكلموا حتى يسمعهم الآخرون فلا يصطدمون بهم. وفي بلاد السموات الصافية أن يعملوا ما عمله موسى عليه السلام في سيناء، يطلق أعمدة من الدخان نهارا، ويشعل النار ليلا حتى يهتدوا.. رغم ذلك ظلوا في تيه أربعين عاما! ولا أحد الآن في شرقنا الأوسط يعرف من معه ومن عليه.. ويوم غضب مني الرئيس حافظ الأسد ومنع مقالاتي وكتبي ومسلسلاتي. كان السبب أنني نقلت عن هنري كيسنجر انه تعب من التنقل بين تل أبيب ودمشق، فغفا وصحا فلم يعرف إن كان في دمشق أو في تل أبيب.. لأنهم يتكلمون لغة واحدة؟!

وكلنا في الشرق نتكلم لغة واحدة ولا تعرف أميركا لغة بيروت أو تل أبيب أو دمشق أو طهران. فقد أخرست الألسنة ولم يبق إلا لسان واحد يتردد صداه في كل العواصم.

ماذا جري لنا وجرى علينا؟

لقد انفتحت كل القواميس وفاضت كل الكلمات بلا ترتيب ولا تركيب ولا معنى فغرقنا في كلامنا.. وليس بين الكلام نوح ولا سفينة. ونحن في مصر جربنا العبث سنوات.. العبث أي اللامنطق واللامعنى واللاجدوى من أي شيء يقال أو يكال. حدث ذلك بعد نكسة 67.. فأصبحت مصر بلدا بلا بلد ولا شعب ولا منطق ولا عقل ولا حكم ولا محكوم. عرفنا الضياع والتيه والكفران العظيم من إننا مصريون ومن إننا عرب ومن إننا بشر..

هل فهمت مما قلت شيئا؟!

إنني لم افعل أكثر من الإشارة إلى معاني الكلام في كل الصحف وفي كل وسائل الإعلام: بكاء وعويل وأصابع تشير بالاتهام إلى كل الاتجاهات والى أنفسنا. من المجرم؟ ومن القاتل؟ من القتيل؟ من الخائن؟ من السيد المطاع في بلادنا؟ وما الثمن. وإذا كانت هذه هي البداية فكيف النهاية؟ وإذا كانت هذه هي النهاية فما البداية.. فلا شيء ينتهي. هل هي مثلا بداية للحرب الثالثة.. فالحرب العالمية الأولى قد بدأت بقتل أحد أمراء النمسا.. فوقفت ألمانيا وراء النمسا ووقفت روسيا وراء القاتل. وكذلك فرنسا وبريطانيا، وكانت هذه هي الشرارة الصغيرة التي أشعلت حربا كبيرة. فهل خطف جندي إسرائيلي هي الشرارة لحرب عالمية ثالثة تبدأ في الشرق الأوسط دفاعا عن خرافة الديمقراطية وزهدا في آبار البترول..

هناك مثل يقول: من هو الذي أطول من العملاق؟ والجواب: القزم إذا ركب العملاق.. أي أن إسرائيل هي الأقوى من أميركا.. وقد قالها تيتو: الذين يريدون إلقاء إسرائيل في البحر، يجب أن يلقوا بأميركا أولا!

فمن الذي نحاربه! إننا نحارب القدر الذي فرض علينا أن تكون حدودنا من الخليج إلى المحيط فوق محيطات من الذهب الأسود ويجمعنا: لا اله إلا الله – مع أن بعضنا لا يؤمن إلا بالدولار!