حوارات عراقية أولا

TT

بعد الولائم والاكلات الطيبة، نجد ان اهم ما يجري في الندوات الفكرية الدردشات التي تجري بين المفكرين المشاركين. حاجات تفتح الشهية للاكل. على الأقل هذا ما لمسته في اسبوع «عراقيون اولا» في العاصمة الاردنية. تعددت الحوارات والمناقشات داخل القاعة وخارجها. كان من اطرفها وانفعها بالنسبة لي ما جرى من حديث بيني وبين وكيل وزارة الثقافة جابر الجابري. انني اتلهف دائما لمثل هذا الحوار بين علماني مثلي واسلامي مثل الجابري، ولا سيما عندما يكون الاسلامي رجلا متنورا واسع الصدر يحترم الرأي الآخر كالسيد وكيل الوزارة.

قلت له، انتم يا ابناء الشيعة، الحكم بيدكم الآن، انتم الأكثرية ولكم الاكثرية في المجلس. يمر العراق في مرحلة صعبة واحوج ما يكون للوحدة الوطنية وتعاون السنة. لماذا تستثيرونهم في هذه المرحلة بدون داع او مبرر؟ سألني فقال بماذا نستثيرهم؟ قلت مثلا، بترديد الشهادة الثالثة «أشهد ان عليا بالحق ولي الله»، ومثلا بحمل صورالخميني؟

اجابني قائلا ان كل مجتهدي الشيعة وائمتهم يجمعون ببطلان هذه الشهادة، واكثر من ذلك، يعتبرون أي صلاة تجري بعد الاذان بها صلاة باطلة. خطر لي ان اسأله ايعني ذلك ان كل المسلمين الذين صلوا بعد الاذان بها اضاعوا وقتهم وصلواتهم؟ لم اشأ ان احرجه بهذا السؤال تأدبا وحرصا على حقوق كل هؤلاء المصلين. ولكن اذا كان الأمر كذلك فلماذا شاعت هذه الشهادة الثالثة ؟ قال انها جاءت كرد فعل لسب الإمام علي. لم استطع السكوت هنا. ولكن يا استاذ جابر نحن لا نسب الإمام علي، بل نجله. من اول ذكرياتي الدينية ان اختي فضيلة اصطحبتني لزيارة النجف لتقديم نذر نذرته لأمير المؤمنين. اجابني فقال ان الأمويين كانوا يسبون الامام علي. استفتيت في هذا الأمر المفتي الوحيد الذي اعرفه وآخذ برأيه، شيخنا الفاضل رشيد الخيون. افتى فقال ان هذه المسبة رددها الامويون في ايام النزاع بين معاوية وعلي وجاءت في اطار ذلك النزاع السياسي. اما الشهادة الثالثة فقد جاء بها اسماعيل الصفوي في القرن السادس عشر عندما امر بتشييع ايران السنية لاسباب سياسية وراح يعتبر هذه الشهادة امتحانا للولاء له. وذبح مئات الناس بسببها.

لم ندخل بتفاصيل كل ذلك وفضلنا الانتقال الى النقطة الاخرى. قال ان الخميني كان رجلا عظيما ومحررا ومجددا ومصلحا كبيرا يستحق الاعجاب. شيعة العراق يعربون عن اعجابهم به بحمل صورته كما يفعل الشيوعيون بصورة ماركس ولنين وكما يفعل الثوريون بحمل صورة تشي غيفارا. كنت على وشك ان اكمل له المقارنة بالقول كما افعل انا ايضا بتعليق صورة «ولادة فينوس» لبوتشلي. لم افعل احتراما لايمان السيد وكيل الوزارة بلبس الحجاب. انا ايضا احترم الرأي الآخر. ولكنني لا استفز المحجبات بحمل صورة امرأة عارية في الشوارع. لماذا نستفز القوميين والعروبيين بحمل صور توحي لهم بوقوع العراق في فلك النفوذ الايراني؟.

وضع العراق يتطلب تحاشي هذه الاستفزازات ويتطلب من المرجعيات تنوير الجمهور بأمرها.