ليسوا سواء: نجدة دارفور المأمولة وغزوة لبنان المخذولة

TT

المؤتمر الوطني السوداني وسدنته يحاولون جهد أنفسهم عقد مقارنة بين العدوان الإسرائيلي الأخرق على لبنان والدور المنشود للأمم المتحدة في دارفور:

ألا فقولوا هذا كلام له خبيئٌ معناه ليست لنا عقول!.

غزو لبنان

لبنان وطن تحتل إسرائيل بعض أرضه ونتيجة لسجالات حربية تكونت مقاومة وطنية وإسلامية في لبنان للاحتلال، وتكون حزب الله كرافد قيادي للمقاومة في 1982م بعد اجتياح إسرائيل للبنان. وأجليت إسرائيل من أرض لبنان إلا عن مزارع شبعا. وصارت الحدود اللبنانية في الجنوب والإسرائيلية في الشمال مكان توتر مستمر ومناوشات. أسر الطرفان عناصر بعضهما الآخر وتبادلا أربع مرات الأسرى والجثث. وعقب اقتتال حدودي في يوليو الماضي أسر حزب الله جنديين إسرائيلين وكان من الممكن أن تندرج الحادثة في نمط المساجلات الماضية. ولكن المناخ الإقليمي والدولي هذه المرة كان مختلفا. رأت إسرائيل بدعم أمريكي أن حزب الله يمثل تيارا لبنانيا مختلفا عليه داخل لبنان، وأنه يمثل تطلعا شيعيا في منطقة صار بعض قادة أهل السنة يتخوفون مما سموه "الهلال الشيعي" وأن حزب الله مع سوريا وإيران يمثلون تحالفا إقليميا مهددا لإسرائيل ولدول أخرى في المنطقة وللمصالح الأمريكية. لذلك أقدمت إسرائيل بدعم أمريكي كامل مالا، وسلاحا، وتوافقا سياسيا، وتغطية إعلامية ودبلوماسية، على تصعيد المواجهة مع حزب الله بصورة كاسحة هجرت أهل الجنوب، ودمرت البنية التحتية في بيروت، وروعت الشعب اللبناني بصورة غير مسبوقة. وكان الهدف واضحا: تحميل حزب الله مسئولية ماحدث وعزله داخل لبنان، ونيل تأييد الدول السنية لضرب ركن من أركان الهلال الشيعي وتدمير أحد عناصر "محور الشر".

حزب الله فاجأ المعتدين ببسالة المقاومة والتصدي للعدوان الإسرائيلي بصورة حرمت القوات المسلحة الإسرائيلية من تحقيق أهدافها العسكرية. بل أظهرتها كالثور في مستودع الخزف: آلة مدمرة دون أهداف إستراتيجية. أما من الناحية السياسية فإن الشعب اللبناني اصطف في موقف وحدة وطنية رائعة. كما اصطفت الشعوب العريبة والإسلامية وراء المقاومة بشقيها الفلسطيني واللبناني. العجز العسكري الإسرائيلي صحبته هزيمة سياسية ودبلوماسية كاسحة لها ولحليفها الأمريكي. وصارا يتحدثان عن وقف العدائيات ويقبلان بمطالب أقل مما كانا عليه سابقا. ولا يرجى أن يقبل لبنان إلا وقف لإطلاق النار مصحوبا بانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان ومن مزارع شبعا، وعودة النازحين من الجنوب لوطنهم، وتبادل الأسرى. ويمكن أن يكون للأمم المتحدة بعد ذلك وجود بموافقة أطراف النزاع لمراقبة الحدود.

نجدة دارفور

الموقف في دارفور مختلف جدا. نشأ نزاع داخلي بين الحكومة السودانية وقوى سياسية مسلحة. استعانت الحكومة بقوات غير نظامية سلحتها ومولتها وتحالفت معها واستغلت في سبيل ذلك تباينا إثنيا محليا. قوات الحكومة السودانية والقوات غير النظامية المتحالفة معها ارتكبوا تجاوزات كبيرة مما خلق مأساة إنسانية أجبرت مليوني شخص على النزوح من قراهم والعيش في معسكرات بالقرب من مدن دارفور الكبيرة أو إلى اللجوء خارج الوطن. وفي شهر يوينو 2004م زار السيد كوفي عنان الخرطوم ودارفور وفي نهاية رحلته أبرم اتفاقا مع الحكومة السودانية من أربعة بنود: حماية المدنيين، عودة النازحين، حماية الاغاثات الإنسانية، نزع سلاح مليشيات الحكومة غير النظامية. هذا الاتفاق لم ينفذ. ومنذ منتصف عام 2004م صار مجلس الأمن يستعرض تقريرا شهريا بشأن دارفور.

وأثناء عام 2004 عقدت ثلاث اتفاقيات بين حكومة السودان وأحزاب دارفور المسلحة في انجمينا وأديس أبابا، وأبوجا. هذه الاتفاقيات دارت حول الالتزام بوقف إطلاق النار وحماية الإغاثات الإنسانية، وحماية المدنين، ونزع سلاح القوات غير النظامية. مراقبة هذه المهام احتاجت لطرف ثالث لذلك اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 1556 وبموجبه أوكلت هذه المهام لقوات الاتحاد الأفريقي. وجدت القوات الأفريقية أن الأطراف التي أبرمت اتفاقيات وقف إطلاق النار والمهام الأخرى لا تلتزم بها لذلك اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 1591 في مارس 2005 لمعاقبة ما يرتكب من تجاوزات.

وفي سبتمبر 2004م بحث مجلس الأمن اتهاما لحكومة السودان بارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور وكون لجنة تقصي حقائق. كانت اللجنة مكونة من عناصر مؤهلة ومحايدة ورفعت تقريرها الذي بموجبه أدين النظام السوداني بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وأحيل عدد من قادته وقادة الاحزاب المسلحة للمحكمة الجزائية الدولية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1593 في مارس 2005.

قوات الاتحاد الأفريقي لم تكن قادرة على القيام بالمهام الموكلة لها. وأعلن مجلس السلم والأمن الأفريقي ذلك وقرر إحالة هذه المهام لقوات دولية لا سيما بعد أن أضافت اتفاقية أبوجا المبرمة في مايو 2006 مهاما رقابية وإجراءات اضافية، لذلك اتخذ مجلس الأمن القرار رقم 1679 بإجماع أصوات أعضائه لتحويل مهام القوات الأفريقية والمهام المضافة بموجب اتفاقية أبوجا للقوات الدولية.

الطريقة التي تم بها إبرام اتفاق أبوجا في مايو 2006 أدت إلى نزاعات حادة داخل الاحزاب المسلحة وفيما بينها. إعطاء الفصيل الذي وقع على اتفاقية أبوجا كافة الوظائف المخصصة للأحزاب المسلحة كلها زاد من حدة الاختلافات بين الفصائل المختلفة، وأقام شرخا بين المؤتمر الوطني الحزب الحاكم وبين الفصائل الدارفورية التي تحالفت معه في الماضي، وكانت نتيجة هذا كله أن الحالة الأمنية في ولايات دارفور زادت سوءا. زادت الأعداد في معسكرات النازحين، وتعرض عمال الإغاثات للقتل فمات منهم في الأسبوعين الماضيين عددا يفوق من ماتوا في العامين الماضيين، وتعرضت سياراتهم للخطف وقرر عدد كبير منهم الانسحاب من المنطقة.

الحالة الأمنية والإنسانية في دارفور والتوتر الحدودي بين دارفور وتشاد زادت سوءا. وبما أن الحكومة السودانية لا تستطيع القيام بمهام مراقبة وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وغيرها من المهام المذكورة مما أدى لتكليف القوات الأفريقية بها. وبما أن هذه الأخيرة عجزت عن المهام وأعلنت عن عجزها فلم يبق إلا خياران: تسليم دارفور للفوضى الأمنية، والمجاعات والاقتتال بالوكالة عبر الحدود أي تسليم دارفور لدمار كامل محقق أو الاستعانة بقوات دولية قادرة عددا وعتادا على حفظ الأمن وحماية الإغاثات ومراقبة الحدود.

القيام بهذه المهام واجب يفرضه ميثاق الأمم المتحدة عليها وقد أجمع أعضاء مجلس الأمن على ذلك حين اتخذ القرار1679 في مايو 2006. قرار الأمم المتحدة هذا أيده الاتحاد الأفريقي، والجامعة العربية، وأيدته القوى السياسية والمدنية السودانية لدى اجتماعها مع مجلس الأمن في الخرطوم وأيده النازحون من أهل دارفور وأيده الشركاء في حكومة الوحدة الوطنية. لم يعارضه إلا أهل المؤتمر الوطني وهؤلاء شهادتهم مجروحة لأنهم تحت طائلة التجريم الدولي بموجب القرار رقم 1593. وادعوا أن في القرار 1679 تعديا على السيادة الوطنية. السودان عضو في الأمم المتحدة شارك في مهام مماثلة تنفيذا لميثاق الأمم المتحدة وليس في ذلك شبهة غزو أو استعمار. وللأمم المتحدة وجود كبير في كثير من أنحاء السودان الآن فما الغرابة في أن يكون لها دور في دارفور لا سيما مع الحاجة الماسة لذلك؟ نعم هنالك دول ذات أجندات مشبوهة ينبغي تجنب مشاركتها في القوات المعنية. ولكن في آسيا دول كالهند وباكستان، وفي أفريقيا دول كجنوب أفريقيا والسنغال، وفي أوربا دول كالسويد والنرويج وغيرها يمكن أن تقوم بالواجب دون حرج. وإن دور الأمم المتحدة في دارفور يوجبه أمن وسلامة وإغاثة إنسان دارفور وما بين هذا الدور المؤيد وطنيا، وإقليميا، ودوليا، والدور الإسرائيلي الأمريكي في لبنان بعد المشرقين.

إن استدعاء قوات دولية للحالة الدارفورية أمر يوجبه ميثاق الأمم المتحدة لا يبطل إلزامية هذا الواجب تقصير الأمم المتحدة عن القيام به بسبب اعتراض أحد أصحاب حق النقض عليه في ظروف أخرى.

أما في الشريعة الإسلامية فحفظ النفس الإنسانية مقدم حتى على تطبيق أحكام الشريعة. وأحكام الشريعة نفسها تتقدم عليها مقاصدها: درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وارتكاب اخف الضررين، وما لا يتم الواجب إلا به هو واجب، والضرورات تبيح المخطوطات وهلم جرا.